الاثنين، 18 يناير 2016

داعش #جهل الخوارج واختراق الاستخبارات الحلقة الاولى

نداء عاجل لوزارة الداخلية وكافة السلطات المختصة بخصوص "الهياط"

انسحاب «السبيعي» بعد مشاجرته مع اتحاد المحامين العرب دفاعاً عن دول الخليج

الجبهة العربية لتحرير الاحواز تؤكد وقوفها مع المملكة العربية السعودية

الجمعة، 15 يناير 2016

تعليق رائع من الشيخ محمد حسان على أزمة السعودية وإيران ويوجه كلمة مبكية ...

خيانة الإخونجية للسعودية (الحلقة الثانيه) - #الصقر_السعودي

جرائم دولة داعش الارهابية

شماتة الاخوان توحد المصريين!

 شماتة الاخوان توحد المصريين!


 محمد على إبراهيم



كعادتهم وكما هو متوقع منهم تماما ويناسب جداً تفكيرهم وقدراتهم السياسية والإعلامية والعقلية.. قام الإخوان بما هو مطلوب منهم على خير وجه.. ففرحتهم وشماتتهم وسخريتهم فى دولة مصر وجيشها وأهلها بعد الحادث الإجرامى الإرهابى يوم الجمعة 24 اكتوبر فى كرم القواديس بالشيخ زويد فى سيناء..

 كانت الحجر الذى اصطاد أكثر من عصفور.. فتلك الفرحة من ناحية زادت من كراهية عموم الناس واشمئزازهم من الإخوان ورفضهم بمنتهى الإقتناع والنفور والغضب..
 لأن الإخوان غالبا يفتقدون أى ذكاء إنسانى واجتماعى وإعلامى.. فلم ينجحوا فى إخفاء فرحتهم بما جرى رغم تباكيهم الزائف على الشهداء الذين ماتوا وتعازيهم التى لم تخف ما فى القلوب والعقول التى فاضت بالسعادة والإبتهاج..
وتلك الفرحة من ناحية أخرى أعادت كثيرين للإلتفاف من جديد حول عبد الفتاح السيسى كرئيس لمصر.. فقط هبط السيسى خلال الأيام الكثيرة الماضية من التحليق وسط سحاب السماء وهالات المجد والدعاية الصاخبة ليصبح رئيسا حقيقيا وواقعيا على الأرض..

يخطىء ويصيب ويسبق ويتأخر ولا تتحقق كل أحلامه وطموحاته نتيجة الموارد غير الكافية والقيود التى لم تنكسر كلها بعد.. وبدأنا نشهد انتقادات للسيسى ومراجعات لسياساته وحكومته.. فجاءت سخرية الإخوان منه بعد هذا الحادث المجرم ليتجاوز الجميع ويتجاهلوا أى ملاحظات وانتقادات ويلتفوا كلهم حول السيسى من جديد بشكل لم يكن ليتحقق أو يكتمل هكذا إلا بفضل الإخوان وبركة تفكيرهم وظلالهم..
 وتلك الفرحة من ناحية ثالثة أسقطت كل دعاوى وصرخات رافضى الجيش والشرطة واللذين نصبوا أنفسهم حماة للحرية فى مصر وحقوق الإنسان وقدسية زائفة لكل وأى جامعة على أرض مصر..
فلم يعد أحد على استعداد للإنصات لمثل هذا الان وهناك دماء مصرية كثيرة سالت على أرض سيناء.. دماء دعت عموم المصريين لأن يعيدوا حساباتهم من جديد وبسرعة ليدركوا من هو عدوهم الأول والحقيقى.. لأن عدوك هو دائما الذى يكره لك الخير والأمان.. يكره أن يراك اّمنا أو ناجحا أو مبتسما أو منتصرا.. يفرح حين تخسر أنت ويحزن لفرحك ويشمت فى ألمك ودموعك ودمك..
وهذه الفرحة من ناحية رابعة أدت الى ألتفاف المصريين حول بلدهم الحزين والموجوع وتجاوز أى خلافات مؤقتة أو دائمة.. زائفة أو حقيقية..
فلم يعد أحد الان يتحدث عن الثورة أو المؤامرة فى يناير.. لم يعد أحد مشغولا بتبرئة مبارك أو إدانته.. فالمصريون لا يقربهم لبعضهم البعض إلا الألم والحزن.
وقد كان هذا التاّلف والترابط بعضا مما تحتاج إليه مصر الان وأظن أنه اخر ما كان يتمناه الإخوان أن يحدث.. لكنه حدث.. وحتى إن كان الإخوان ليسوا أصحاب الفعل ومرتكبى هذه الجريمة بشكل مباشر.. فقد قاموا بما هو أهم وأجدى..
وحدوا المصريين ومنحوهم القدرة على تجاوز خلافاتهم والحساسيات المتبادلة بينهم ودعوهم لإغلاق كل الملفات الشائكة وقام الإخوان بدور رائع وعبقرى ليجعلوا المصريين يلتفون بشكل صادق وحقيقى حول رئيسهم وجيشهم ودولتهم.. وفى النهاية لم ينس الإخوان القيام باخر واجب عليهم أو اخر مهمة لهم وهى رسم ابتسامة ولو خافتة على وجوه الكثيرين وسط تلك الأجواء الحزينة..وفى الحقيقة قام الإخوان برسم تلك الإبتسامة عن طريق عبقرية فكر وتخطيط وأداء لا يملك مثلها غيرهم..
مثل هذا التناقض الكوميدى بين صرخات الإخوان طيلة الأيام الماضية عقب الجريمة بأن هؤلاء العساكر ماتوا فى ليبيا وقام الجيش المصرى بنقلهم سرا وتدبير هذا الإنفجار حتى يدارى وجوده فى ليبيا.. وفى نفس الوقت يصرخ الإخوان بضعف الجيش المصرى وسوء استعداده وأنهم ليسوا على قدر المسئولية لحماية هذا الوطن..
وأنت لا تعرف فقط كيف يمكن أن يموت العساكر فى ليبيا بعلم الجيش المصرى ثم نلوم هذا الجيش الذى سمح للإرهابيين بقتل نفس العساكر فى سيناء.. فالإنسان يعيش مرة واحدة فقط لكنه فى نظر الاخوان ووفق حساباتهم ممكن أن يموت مرتين أو حتى أكثر مثلما جرى بعد فض أعتصام رابعة حيث كان هناك من مات أكثر من ثلاث أو أربع مرات..ومثلما قالوا بعد جريمة سيناء بأن العساكر المصريين ماتوا فى ليبيا لأن الجيش المصرى فى رأيهم يحارب سرا هناك.. ومات نفس العساكر من جديد فى سيناء لأن رئيس مخابراتنا فاشل ووزير دفاعنا لا ينجح فى حماية رجاله ووطننا.. فالغاية تبرر الوسيلة.. والموت دائما هو أسهل سلاح إخوانى لتبرير أى شىء واتهام أى أحد.. أما السبب الاخر للإبتسامة فكانت رسالة محمد مرسى للأمة كرئيس لمصر.. ولأننا كلنا نعلم أن الرئيس الأسبق محمد مرسى حاليا فى السجن قيد المحاكمة وأنه لا يملك حرية مغادرة محبسه أو حتى البقاء فيه فقد كان جميلا أن يقسم مرسى وهو يعد الجميع بأنه لن يغادر السجن إلا بعد أن يخرج منه كل المعتقلين والسجناء.. وأنا هنا لا أسخر من محمد مرسى ولا أحب أن أسخر من أى أحد وبالتحديد الذين يعيشون أوقاتا صعبة وفى محنة لا يستطيعون معها أى رد أو دفاع عن أنفسهم.. لكننى فقط أسخر ممن كتب تلك الرسالة باسم الرئيس الأسبق وبالنيابة عنه وكالعادة خانه الذكاء فى انتقاء ألفاظة وتعبيراته.
وأسخر من قناة الجزيرة أيضا التى بدأت تعليقها على كلمة محمد مرسى بالإشادة برجل يرفض الخروج من السجن حتى يخرج كل السجناء..وكان تحليل الجزيرة لهذا الرفض محيرا ومربكا جدا إذ أنها المرة الأولى التى نجد فيها متهما بالتخابر والعمالة والقتل تتوسل إليه الدولة التى تحاكمه وتضغط عليه ليفتح باب السجن ويخرج للنور لكنه هو الذى فى إباء وشمم يرفض الإستجابة لتلك المطالب والضغوط مشترطا خروج كل السجناء أولا.
 وفى الحقيقة.. قام الإخوان بكل ما كان مطلوبا منهم وأكثر.. أدت الجماعة ما عليها بمنتهى الإخلاص والإحتهاد والتفانى والصدق.. ومن البجاحة أن نطالب الإخوان أو نطلب منهم ما هو أكثر من ذلك.. لكن المطلوب من الرئيس السيسى..
وهو كثير أيضا..
ونحن نتمنى نجاح الرئيس فى القيام بواجبه بنفس قدر نجاح الإخوان فى كل مهامهم حتى الان.. ولن أكون أحد جنرالات البيوت والمقاهى والشاشات والمكاتب الذين على استعداد دائم لتقديم مشورتهم ونصائحهم المجانية للجميع أيا كان مجال الحديث عسكريا أو سياسيا أو إقتصاديا أو علميا أو فنيا.. وبالتالى لن أقول للرئيس ما يتعين عليه القيام به فى سيناء ضد كل هؤلاء المتطرفين والإرهابيين وأعداء الوطن.. فهذا يفوق قدرتى وإختصاصى ومعلوماتى أيضا.. لكننى أستطيع أن أطلب من الرئيس أن يبقى قويا وحازما وعنيفا أيضا..
ولا أعرف هل يجوز لى أن أهدى الرئيس بضعة كتب ومذكرات لقادة كبار مثل تشرشل وروزفلت وأيزنهاور ومارجريت ثاتشر والتى يمكن تلخيصها كلها فى أن الشعوب قد تغفر لرؤسائها أخطائهم لكنها أبدا لن تغفر لهم ضعفهم.. ولكل رئيس من هؤلاء كانت معركته الكبرى من أجل وطنه..وأطالب الرئيس أيضا بأن يعيد النظر فى انتقاء الرجال حوله..وألا يسمح بالإقتراب من عقله وقراراته أولئك الذين ل يعيشون فى الماضى ولا تشغلهم إلا حسابات قديمة من نوع هل نجح عبد الناصر أم أخفق وهل كان ناصر أفضل أم السادات وهل كان ما جرى فى يوليو 52 أو يوليو 2013 ثورة أم أنقلابا وهل كان يناير ثورة أم مؤامرة وكل هذا الجدل واللغو الأجوف الذى لا ينظر أبدا للأمام ولا يبنى أو يضيف أى شىء جديد للوطن والناس فى مصر.. أطالب السيسى أيضا بألا يلتقى بالإعلاميين كثيراوألا يلتفت إليهم كثيرا وألا يتخذ أى إعلامى مستشارا مهما كان صادقا أو مخلصا..فلابد فى أوقات إعادة ترتيب الوطن أن تكون هناك أيضا فرصة لإعادة توضيح المهام والأدوار.. فيبقى الرئيس رئيسا فقط ويبقى رجل الأعمال رجل اعمال فقط والإعلامى إعلاميا والقاضى قاضيا ورجل الجيش يبقى ضابطا لا محللا ويبقى رجل الأمن يهتم فقط بالأمن وليس الإقتصاد وعلم النفس وعلم الإجتماع.. وأتمنى ألا يدع الرئيس فى كل الأوقات المقبلة أحدا يتحدث باسمه أو بالنيابة عنه.. خاصة أولئك الحالمين بمقاعد البرلمان أو سطوة المناصب ووجاهة النفوذ والذين فى السوق لهم حسابات ومصالح ليس من الضرورى أن يحشروا وسطها اسم الرئيس وصورته.. أتمنى أيضا أن يغلق الرئيس أبوابه قليلا فى وجه كل العواجيز ويفتحها أمام شباب كثيرين فى كل مجالات الحياة.. وأن يجيد اختيار من يتحدث معهم فى العلم لأنهم علماء ومن يتحدث معهم فى الإقتصاد لأنهم رجال مال واقتصاد ومن يحدث معهم فى السياسة لأنهم يدركون ويتابعون ما يجرى فى العالم حولهم.. أما هذه الوجوه القديمة مع كامل التقدير والإحترام لها فقد ان موعد انصرافها وراحتها وغيابها أيضا.

مناقشة علمية حول الجامية ،،، فهل من مستجيب ؟!

مناقشة علمية حول الجامية ،،، فهل من مستجيب ؟!

 

 

ليسمح لي المتابعون الكرام أن أقف معهم عدة وقفات مع الشيخ إبراهيم الفارس وتحامله الشديد على من سماهم الجامية !!
وهذا الموضوع من المواضيع الشائكة التي إذا سمع فيها ذكر الجامية استثار حفيظة خلق كثير أوتوا علوما وما أوتوا فهوما ، وأتوا ذكاء وما أوتوا زكاء ،
+++ وحملهم الا‌نتصار لشخص أو حزب أو هوى على الا‌فتراء على خلق الله وأخذهم بغير وزرهم والتشهير بهم بغير حق .
وقبل البدء في مناقشته لي ثلا‌ث مطالب:


الأ‌ول: منه هو بنفسه بتذكيره ونفسي بتقوى الله فيما نقول واستحضار الحساب في يوم لا‌ تنفع فيه أهل الظلم معذرتهم.

فأعيذه بالله تعالى أن يؤاخذ قبيلة بخطيئة فرد!
فكيف (ولا‌ قبيلة) و(لا‌ حزب) أصلا‌؟!
كما أذكره بأن الدعاوى لا‌ تغني عن وقائع الحقائق شيئاً.فاتباع السلف والسنة ومقارعة الرافضة والليبراليين ليست قضية شخصية!
بل هي دينية تحمل المسلم على سلوك هذه الجادة مع كل مبتدع.فالسنة سفينة من ركبها نجا بشرط الركوب! ومن انتسب إليها نبُل وشرُف بشرط الموافقة وحسن الا‌تباع لها ولأ‌هلها وهم أهل السنة والسلف الصالح.



أما المطلب الثاني:

فالفِرق لا‌ تستحدث بالتشفي ولا‌ بالتشهي ولا‌ بالتخمين والا‌فتراء وإنما تكون بإعلا‌ن الطائفة الفرقة كاعتزال المعتزلة ورفض الروافض وخروج الخوارج أو بشطح رجل ثم التفاف حزب من حوله يحملون أصوله وضلا‌لا‌ته ويقلدونه فيها ويناصرون بدعته كالجهمية والكلا‌بية والماتريدية و و.
**ومن صور التحزب الثابت اليوم التنظيمات الدينية وأشهر الموجود اليوم دعوتي (الإ‌خوان المسلمين) و(التبليغ) وهما فرقتان خرجتا بأصول.وهذه الأ‌صول يعتمدها كل من اندرج في سلك الفرقة أو عاهد بما يسمى البيعة المعلنة والسرية! ولهما دورٌ وشعارات ومعاقل معتبرة رسمية!فهذه الفرق المذكورة لا‌ يدفع وجودها منصفٌ وكل من تبعها ورضي (بأصولها) وسار عليها فهو منها ويوصف الفرد بوصف الجميع إلا‌ ما شذ به بعض الأ‌فراد بما لا‌ تقرره أصول الطائفة فينسب إليه لا‌ إلى الجميع فيقال: وهذا قال به من المعتزلة فلا‌ن وقال به من الشيعة فلا‌ن، ولا‌ ينسب إلى كافة الفرقة ومن انتسب إليها ولو كانت ضالة وهذا باب العدل والإ‌نصاف وسلكه الأ‌ئمة المناظرون كشيخ الإ‌سلا‌م ابن تيمية وغيره.

المطلب الثالث:

التفريق بين المتماثلا‌ت من المُثلا‌ت! وحجب الحقائق من البوائق!
**فلا‌ يجوز أن يعاب شخصٌ بشيء وهو ليس بعيب ولا‌ أن يعاب شخصٌ بمقالة ثم يمدح بها غيره أو يفرد ذاك بذمها ويغض الطرف عن آخر وقد قالها باللفظ والقصد!
وهذا له أمثلة كثيرة في الساحة!

وبها تنقض كثيرٌ من التهم!
ومن ذلك على سبيل المثال لا‌ الحصر ولعل في الآ‌تي مزيد :

1- الاستعانة بالكفار ذُمّ به أناس ثم غُضّ الطرف عن آخرين
2- الصلح مع اليهود  ذُمّ به أناس ثم غُضّ الطرف عن آخرين
3 – تقريب الرافضة  ذُمّ به أناس ثم غُضّ الطرف عن آخرين
4 – الاستهزاء بالدين ذُمّ به أناس ثم غُضّ الطرف عن آخرين
5- الطعن في الصحابة  ذُمّ به أناس ثم غُضّ الطرف عن آخرين
6- عدم تحكيم الشريعة  ذُمّ به أناس ثم غُضّ الطرف عن  آخرين 

وضرب المثال في المجال يطول!

**وصاحب السنة ينكر المنكر ويأمر المعروف في كل وجه ويراعي المصالح ويعتبر المقاصد ولا‌ يظلم.
إذا استحضر الفارس والمتابع هذه المقدمة
فأقول :::::
الشيخ محمد أمان علي الجامي رحمه الله نُسبت إليه طائفة باسمه !!
**فالمطلوب من إبراهيم الفارس أمران:

أولهما:
نخل كتب الشيخ وأشرطته والإ‌تيان بقولٍ أو مقالا‌ت تخالف أصل اعتقاد أهل السنة أما الإ‌ثبات فلن يجد ولا‌ يبقى إلا‌ الا‌فتراء، والله تعالى حذر أشد التحذير من الا‌فتراء على المسلم عموما فكيف بعالمٍ شهد العلماء بفضله وولا‌يته؟
فأذيته أخطر وأخطر بصريح السنة كحديث الولي.
فليشهد المتابعون أنني أتحدى إبراهيم الفارس ومن جاء معه أن يأتوا من كلا‌م الشيخ ما يخالف عقيدة وأصلا‌ً أو يخرق إجماعا.ولا‌ يأتي بقول غيره فهو المعني وإليه وقعت النسبة المفتراة على (الجامية)
فإما أن يثبت ضلا‌ل هذا الرجل لتصح نسبة كل من تبعه إليه.وإما أن تنتقل النسبة إلى غيره كالشيخ ربيع المدخلي أو فلا‌ن أو علا‌ن لنبدأ في البحث في الآ‌خرين مع غلبة الظن أن من ابتكر هذه الأ‌سطورة لن يغيرها! لأ‌نها صدرت بلسان  حزبي من جهات عليا!!
يعسر على التبع والمبايع مخالفتها ولكن الرجاء في هداية الله لهم كبير.ثم يلحق بهذا الأ‌مر الأ‌ول طلب المقارنة بين قوله وأصوله أعني شيخنا الجامي بقول أكابر العلماء المعاصرين حينما يحمدهم هؤلا‌ء علا‌نية!ويذمون الجامي! وهو من نسيجهم وشاكلتهم كشيخنا ابن باز وابن عثيمين والأ‌لباني والفوزان و و و غيرهم من الأ‌ئمة الأ‌علا‌م.فلن يستطيع إبراهيم الفارس التفريق بينهم في أصول المعتقد! فما الذي أحل عرض هذا الرجل وحرّم أعراض أولئك الرجال؟ أهو الهوى؟!


الأ‌مر الثاني:

هب أنه ضل وخالف في أصل أو أصول فهل يجوز لك أن تنسب إليه من
لا‌يوافقه على ذلك الأ‌صل أو الأ‌صول التي أخطأ فيها؟فهذا من جنس الظلم الذي حرمه الله تعالى على عباده ومؤاخذة المسلم البريء بغير ذنبه وجريرته والعياذ بالله.

***وقبل ختام الكلا‌م أستبق المداخلا‌ت
***بأمرين هما محل شغب الكثير ممن اختلق (الجامية) وجعلهما أصل التصنيف وموجب الذم:

الأ‌مر الأ‌ول: الطعن في العلماء والدعاة!
هكذا يقولون

وهذا منقوض بناقضين:

الناقض الأ‌ول:

إن كان خطأً فقد قابلوه بالخطأ !!!
فهم شيوخ وطلا‌ب وعامة طعنوا في الجامي! والمدخلي! وغيرهم ومنهم علماء أجلا‌ء بل ومسلمون غافلون أعراضهم حرام بتحريم الله لها.بل كيف بمن طعن في كبار العلماء وابن باز وأنهم عملا‌ء وعلماء سلطان وليسوا مرجعية دينية وعلماء حيض ونفاس و و وبل كيف بمن كفرهم! وحكم عليهم بالردة وهذا موجود في كلا‌م قادات وأفراد تنظيم القاعدة فأين الغيرة للعلماء صدقاً وعدلا‌ ؟!!!
اضغط هنا : للاستماع ،،،

الناقض الثاني:
أن أصل الرد على المخالف مشروع وهو من الجهاد بالكلمة بشرط العدل فكان المفترض أن يشكروا لا‌ أن يشتموا ويذموا، فهو من حقهم وكمال نصرتهم بحجزهم عن الشر وتنبيههم على الخطأ وهي جادة سلكها أئمة العلماء بعلم وعدل ، ونعم: دفاعي عن أهل العدل ومحبة النصح للمسلمين آما الجاهل والمتشفي والمتشهي والمتهور فوزره على نفسه وينكر عليه بنفسه ولا‌ يحمّل غيره ذنبه.

أما الأ‌مر الثاني: فهو طاعة الولا‌ة!

والناس في هذا طرفان ووسط !!
وكلا‌ طرفي المسألة ذميم والحق أحق أن يتبع وعامة كلا‌م من يذمون هو بعينه كلا‌م كبار العلماء كابن باز وابن عثيمين والأ‌لباني والفوزان ؛ فلماذا لم يعيّر هؤلا‌ء (علا‌نية!!!) كما صنعوا بالشيخ الجامي وغيره. فلن يستطيع الشيخ الفارس في مسألة حقوق ولا‌ة الأ‌مر وطاعتهم أن يأتي بفرق واحدً بين قول شيخنا الجامي وشيخنا ابن باز وهو أكبر منه؟ فلماذا لم ينسبوهم إلى ابن باز ويقولوا (البازية)؟!!!
وختاماً:
ليتقَ الله الشيخ الفارس وكلّ من شاكله
ومن جذبه الا‌نتصار للهوى فذم الشيخ الجامي
أو نسب إليه طائفة وهو لم ينسب إليه أحد غير أبناء صلبه !!!

والله أعلم وصلى الله وسلم على نبينا محمد والسلا‌م.
////////////////////
روابط هامة تتعلق بالموضوع :
1/ اضغط للاستماع : للعلامة ابن باز
2/ اضغط للاستماع للعلامة الفوزان
3/ اضغط للاستماع للعلامة اللحيدان


--------------



Asrarthora33's Blog

 

معاملة الحكام في ضوء الكتاب والسنة للشيخ / عبد السلام بن برجس العبد الكريم

معاملة الحكام في ضوء الكتاب والسنة

لتحميل الكتاب أضغط هنا





المقدمة
إن الحمد لله، نحمده ونستعينه، ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فبلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له.
وأشهد أن لا إله إلا الله – وحده لا شريك له -.
وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.
  (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ ) .
( يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً )
( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً (70) يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً )
أما بعد
فهذه رسالة وجيزة مبنية على النصوص الشرعية، ومؤيدة بالآثار السلفية، تشرح شيئاَ مما ينبغي أن يعرفه المسلم عن أحكام معاملة ولاة أمر المسلمين في كل زمان ومكان.
كتبتها براءة للذمة، ونصحاً للأمة، إذ قد رأيت حاجة الناس في هذه الأزمان إلي معرفة تلك الأحكام والإطلاع عليها أما للتذكير بها، أو لتعليمها، فإن نسيانها – أو الجهل بها –من أعظم الأبواب التي تلج الشرور إلي المسلمين منها، يعرف هذا من نظر في التواريخ والسير واعتبر بما جاء فيها من العبر.
اسأل الله – جل وعلا – أن ينتفع بهذه الرسالة، وأن يجعلها خالصة لوجهه الكريم، مقربة إليه من جنات النعيم.
وصلي الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

كتب ذلك
عبد السلام بن برجس العبد الكريم
الرياض20-7-1415هـ



تمهيد
إن السمع والطاعة لولاة أمر المسلمين جاروا وظلموا العقيدة السلفية قل أن يخلو كتاب فيها من تقريره وشرحه وبيانه، وما ذاك إلا لبالغ أهميته وعظيم شأنه، إذ بالسمع والطاعة لهم تنتظم مصالح الدين والدنيا معاً، وبالافتيات عليهم قولاً أو فعلاً فساد الدين والدنيا.
وقد علم بالضرورة من دين الإسلام أنه لا دين إلا بجماعة، ولا جماعة إلا بإمامة ولا إمامة إلا بسمع وطاعة. (1)
يقول الحسن البصري - رحمه الله تعالي – في الأمراء :
(( هم يلون من أمورنا خمساً :
الجمعة، والجماعة، والعيد، والثغور، والحدود.
والله لا يستقيم الدين إلا بهم، وإن جاروا وظلموا والله لما يصلح الله بهم أكثر مما يفسدون، مع أن طاعتهم – والله – لغبطة وأن فرقتهم لكفر ))(2) ا.هـ
وذكر السلطان عند أبي العالية، فقال الله بهم أكثر مما يفسدون (3).اهـ
لقد كان السلف الصالح – رضوان الله عليهم – يولون هذا الأمر اهتماما خاصاً، لا سيما عند ظهور بوادر الفتنة، نظراً لما يترتب على الجهل به – أو إغفاله – من الفساد العريض في العباد والبلاد والعدول عن سبيل الهدى والرشاد.
واهتمام السلف بهذا الأمر تحمله صور كثيرة نقلت إلينا عنهم أقتصر على صور، منها:
الصورة الأولي: التحذير من الخروج عليه:
مثال ذلك: ما قام به الإمام أحمد بن حنبل إمام أهل السنة – رحمه الله تعالي -، حيث كان مثالاً للسنة في معاملة الولاة.
فلقد تبني الولاة في زمنه أحد المذاهب الفكرية السيئة وحملوا الناس عليه بالقوة والسيف، وأريقت دماء جم غفير من العلماء بسبب ذلك، وفرض القول بخلق القرآن الكريم على الأمة، وقرر ذلك في كتاتيب الصبيان.... إلي غير ذلك من الطامات والعظائم، ومع ذلك كله فالإمام أحمد لا ينزعه هوى، ولا تستجيشه العواطف (( العواصف )) بل ثبت على السنة، لأنها خير وأهدي فأمر بطاعة ولي الأمر، وجمع العامة عليه ووقف كالجبل الشامخ في وجه من أراد مخالفة المنهج النبوي والسير السلفية، انسياقاً وراء العواطف المجردة عن قيود الكتاب والسنة، أو المذاهب الثورية الفاسدة.
يقول حنبل – رحمه الله تعالي -:
((أجتمع فقهاء بغداد في ولاية الواثق إلي أبي عبد الله – يعني الإمام أحمد بن حنبل – رحمه الله تعالي – وقالوا له: أن الأمر قد تفاقم وفشا – يعنون: إظهار القول بخلق القرآن، وغير ذلك ولا نرضي بإمارته ولا سلطانه !
فناظرهم في ذلك، وقال: عليكم بالإنكار في قلوبكم ولا تخلعوا يداً من طاعة، ولا تشقوا عصا المسلمين، ولا تسفكوا دمائكم ودماء المسلمين معكم وانظروا في عاقبة أمركم، واصبروا حتى يستريح بر، ويستراح من فاجر
وقال ليس هذا – يعني نزع أيديهم من طاعته – صواباً، هذا خلاف الآثار )) (4) ا هـ
فهذه صورة من أروع الصور التي نقلها الناقلون، تبين مدي اهتمام السلف بهذا الباب، وتشرح – صراحة – التطبيق العلمي لمذاهب أهل السنة والجماعة فيه.
الصورة الثانية: التأكيد على الدعاء له:
مثال ذلك: ما جاء في كتاب (( السنة )) للإمام الحسن بن على البربهاري – رحمه الله تعالي – حيث قال:
(( إذا رأيت الرجل يدعوا على سلطان: فاعلم أنه صاحب هوى.
وأن سمعت الرجل يدعو للسلطان بالصلاح فاعلم أنه صاحب سنة – إن شاء الله تعالي -:
يقول الفضيل بن عياض: لو كان لي دعوة ما جعلتها إلا في السلطان.
فأمرنا أن ندعو لهم بالصلاح، ولم نؤمر أن ندعو عليهم – وإن جاروا وظلموا -، لأن جورهم وظلمهم على أنفسهم وعلى المسلمين (5) ا هـ
الصورة الثالثة: التماس العذر له:
(( كان العلماء يقولون: إذا استقامت لكم أمور السلطان، فأكثروا حمد الله – تعالي – وشكره.
وأن جاءكم منه ما تكرهون، وجهوه إلي ما تستوجبونه بذنوبكم وتستحقونه بآثامكم.
وأقيموا عذر السلطان، لانتشار الأمور عليه، وكثرة ما يكابده من ضبط جوانب المملكة، واستئلاف الأعداء وإرضاء الأولياء، وقلة الناصح وكثرة التدليس والطمع )) ا ه ـ من كتاب (( سراج الملوك )) للطرطوشي ( ص 43 )
ولو ذهبنا نستقصي مثل هذه الصور الرائعة عن سلفنا الصالح، لطال المقام، واتسعت دائرة الكلام.
وفيما ذكرنا تنبيه على المقصود وإيضاح للمنشود، فمن تأمل فيه وأنصف بأن له غلط من تعسف وأجحف، ولم ير لولاة الأمر حقاً، ولم يرع لهم قدراً لهم قدراً ،فجردهم عن الحق الذي فرضه الشارع لهم ،اتباعاً للهوى وتأثراً بمذهب أهل الردى.
ومما يجدر العلم به أن قاعدة السلف في هذا الباب زيادة الاعتناء به كلما ازدادت حاجة الآمة إليه، سداً لباب الفتن وإيصاداً لطريق الخروج على الولاة الذي هو أصل فساد الدنيا والدين.
ولقد تجسدت هذه القاعدة فيما كتبه أئمة الدعوة النجدية – رحمهم الله تعالي – في هذا الباب، عندما تسربت بعض الأفكار المنحرفة فيه إلي جماعة من المنتسبين إلي الخير والصلاح.
فلقد أكثروا – رمهم الله تعالي – من تقرير هذا الأمر، وأفاضوا فيه وكرروا بيانه زيادة في الإيضاح واستئصالاً للشبه الواردة عليه، ولم يكتفوا بكلمة واحدة ولا تقرير فرد منهم لهذا الأمر الخطير لعلمهم بما ينتج عن الجهل به من البلاء والشر المستطير.
وفي ذلك يقول الإمام الشيخ عبد اللطيف بن عبد الرحمن بن حسن آل الشيخ – رحم الله الجميع – في كلام متين، يكشف شيئاً من الشبه الملبسة في هذا الباب ويرد على من أشاعها من الجهال:
((.... ولم يد هؤلاء المفتونون أن أكثر ولاة أهل الإسلام – من عهد يزيد بن معاوية - حاشا عمر بن عبد العزيز ومن شاء الله من بني أمية – قد وقع منهم من الجراءة والحوادث العظام والخروج والفساد في ولاية أهل الإسلام ومع ذلك فسيرة الأئمة الأعلام والسادة العظام – معهم – معروفة مشهورة، لا ينزعون يد من طاعة فيما أمر الله به رسوله من شرائع الإسلام وواجبات الدين.
وأضرب لك مثلاً بالحجاج بن يوسف الثقفي، وقد أشتهر أمره في الأمة بالظلم والغشم، والإسراف في سفك الدماء وانتهاك حرمات الله وقتل من قتل من سادات الأمة كسعيد بن جبير، وحاصر بن الزبير – وقد عاذ بالحرم الشريف -، واستباح الحرمة وقتل بن الزبير – مع أن بن الزبير قد أعطاه الطاعة وبايعه عامة أهل مكة والمدينة واليمن، وأكثر سواد العراق، والحجاج نائب عن مروان، ثم عن ولده عبد الملك (6) ولم يعهد أحد من الخلفاء ألي مروان ولم يبايعه أهل الحل والعقد -، ومع ذلك لما توقف أحد من أهل العلم في طاعته والانقياد له فيما تسوغ طاعته فيه من أركان الإسلام وواجباته.
وكان بن عمر – ومن أدرك الحجاج من أصحاب رسول الله ( - لا ينازعونه، ولا يمتنعون من طاعته فيما يقوم به الإسلام، ويكمل به الإيمان.
وكذلك من في زمنه من التابعين، كابن المسيب والحسن البصري وابن سيرين، وإبراهيم التيمي، وأشباههم ونظرائهم من سادات الأمة.
واستمر العمل على هذا بين علماء الأمة من سادات الأمة وأئمتها، يأمرون بطاعة الله ورسوله والجهاد في سبيله مع كل إمام بر أو فاجر – كما هو معروف في كتب أصور الدين والعقائد -.
وكذلك بنوا العباس استولوا على بلاد المسلمين قهراً بالسيف ن لم يساعدهم أحد من أهل العلم والدين، وقتلوا خلقاً كثيراً وجمعاً غفيراً من بني أمية وأمرائهم ونوابهم، وقتلوا أبن هبيرة أمير العراق، وقتلوا الخليفة مروان، حتى نقل أن السفاح قبل في يوم واحد نحو الثمانين من بني أمية، ووضع الفرش على جثثهم وجلس عليها، ودعا بالمطاعم والمشارب.
ومع ذلك فسيرة الأئمة كالأوزاعي، ومالك، والزهري، والليث بن سعد، وعطاء بن أبي رباح، مع هؤلاء الملوك لا تخفي على من لهم مشاركة في العلم وإطلاع.
والطبقة الثانية من أهل العلم، كأحمد بن حنبل، ومحمد بن إسماعيل، وحمد بن إدريس، واحمد بن نوح، وأسحق بن راهوية، وإخوانهم... وقع في عصرهم من الملوك ما وقع من البدع العظام وإنكار الصفات، ودعوا إلي ذلك، وامتحنوا فيه وقتل من قتل، كأحمد بن نصر، ومع ذلك، فلا يعلم أن أحداً منهم نزع يداً من طاعة، ولا رأي الخروج عليهم.. )) (7) ا هـ.
فتأمل هذا الكلام البديع وانظر فيه بعين الإنصاف، تجده من مشكاة السلف الصالح، على وفق الكتاب والسنة والقواعد العامة بعيداً عن الإفراط والتفريط.
وكلام أئمة الدعوة – رحمهم الله تعالي – كثير في هذا الباب، تري طائفة منه في الجزء السابع من كتاب (( الدرر السنية في الأجوبة النجدية )).
كل هذا يؤيد ضرورة الاهتمام بهذا الأصل العقدي، وترسيخه عند غلبة الجهل به، أو فشوا الأفكار المنحرفة عن منهج أهل السنة فيه.
ولا ريب أن الزمن الذي نعيش فيه الآن أجتمع فيه الأمران:
غلبة الجهل بهذا الأمر، وفشوا الأفكار المنحرفة فيه.
فواجب أهل العلم وطلبته: الالتزام بالميثاق الذي أخذه الله عليهم في قوله – تعالي - ( لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلاَ تَكْتُمُونَهُ ( (8) فليبينوا للناس هذا الأصل محتسبين لله – تعالي -، مخلصين له أعمالهم، ولا يمنعهم من بيانه تلك الشبهات المتهافتة التي يروجها بعض من خلاق له.
كقول بعضهم من المستفيد من بيان هذا الأمر ؟
يشير إلي أن المستفيد منهم الولاة فقط ! وهذا جهل مفرط وضلال مبين، إذ منشؤه سوء الاعتقاد فيما يجب لولاة الأمر أبراراً كانوا أو فجاراً.
على أن الفائدة مشتركة بين الراعي والرعية كما لا يخفي على أهل العلم – بل قد تكون الرعية أكثر فائدة من الرعاة.
ومن الشبه – أيضاً – قول بعضهم : إن الكلام في هذا الموضوع ليس هذا وقته.
سبحان الله ‍‍ ‍‍‍‍! متي وقته إذن ؟ أ إذا طارت الرؤوس وسفكت الدماء ؟ أ إذا عمت الفوضى ورفع الأمن ؟
إن الكلام في هذا الموضوع يجب أن يكثف من قبل العلماء وطلبة العلم في هذه الأيام خاصة، لما حصل لفئة من الناس من تلوث فكري في هذا الباب، قاد زمامه شراذم من أصحاب الاتجاهات الدخيلة، فأفسدوا أيما إفساد، وشوشو على عقيدة أهل السنة والجماعة في هذا الباب الخطير بما ألقوه من الشبه الفاسدة، والحجج الكاسدة.
ولا تغتر بمن ينكر وجود هؤلاء، ويقول ( أن موضوع البيعة والسمع والطاعة لم يشكك فيه أحد ) فإنه أحد رجلين: أما متستر عليهم يخشى من تصنيفهم بما هم عليه، أو جاهل لا يدري ما الناس فيه.
فليتقي الله – تعالي – هؤلاء المرجفون، ولينتهوا عن صد الناس عن سبيل الله تعالي، خدمة لأحزابهم، أو ترويجاً لمذاهبهم الفاسدة بمثل هذه الشبة الواهية، أو إتباعاً لهؤلاء بغير هدي من الله.
وعلى من أراد لنفسه النجاة والفلاح أن يتأمل في نصوص الشرع الواردة في هذا الباب، فيعمل بها ويذعن لها، ولا يجعل للهوي عليه سلطاناً، فإن العبد لا يبلغ حقيقة الإيمان حتى يكون هواه تبعاً لما جاء به الشرع المطهر.
وأكثر فساد الناس في هذا الباب إنما هو من جراء إتباع الهوى وتقديم العقل على النقل.
فبين لديه – أيها الطالب للحق – نصوص وشرعية، ونقول سلفية، فأرع لها سمعك، وأمعن فيها بصرك، جعل الله التوفيق حليفك، والتسديد رفيقك، وجنبنا – وإياك – مضلات الأهواء والفتن .


1) جاء نحو ذلك عن عمر رضي الله عنه -، أخرجه الدرامي ( 1/69).
2 ) ((آداب الحسن البصري )) لابن الجوزي : (ص121 )، وينظر (( جامع العلوم والحكم ))لابن رجب : (2/117)، ط. الرسالة، والجليس الصالح والأنيس الناصح )) لسبط ابن الجوزي ( ص 207 ) قوله : (( لكفر )) يعني به : كفر دون كفر.
3) ذكره سبط ابن الجوزي في (( الجليس الصالح والأنيس الناصح )) ( ص 207 ).
4 ) (( الآداب الشرعية)) لابن مفلح : ( 1/195/196 )، وأخرج القصة الخلال في (( السنة )) : ( ص 133 ) .
5 ) (( طبقات الحنابلة )) (2/36) ومقولة الفضيل بن عياض، وأخرجها أبو نعيم في (( الحلية ))( 8/91-92 ) وفي (( فضيلة العادلين من الولاة )) ( ص 171-172 ) .
6 ) المعروف أنه نائب عن عبد الملك بن مروان – فقط -
7 ) الدرر السنية في الأجوبة النجدية : (7/177-178 )
8 ) سورة آل عمران آية 187.



الفصل الأول: في قواعد تتعلق بالأمانة


القاعدة الأولي: وجوب عقد البيعة للإمام القائم المستقر المسلم
والتغليظ على من ليس في عنقه بيعة والترهيب من نقضها

قال الإمام الحسن بن على البربهاري – رحمه الله تعالي – في كتاب (( السنة ))- له - :
(( من ولي الخلافة بإجماع الناس عليه ورضاهم به، فهو أمير المؤمنين، لا يحل لأحد أن يبيت ليلة ولا يرى أن ليس عليه إمام براً كان أو فاجراً ... هكذا قال أحمد بن حنبل )) اهـ .
وقد دل على ذلك ما أخرجه الإمام مسلم في ((صحيحه )) ( 12/240- النووي ) – كتاب الإمارة – أن عبد الله بن عمر جاء إلي عبد الله بن مطيع – حين كان أمر الحرة ما كان: زمن يزيد بن معاوية -، فقال عبد الله بن مطيع: أطرحوا لأبي عبد الرحمن وسادة، فقال: أني لم آتك لأجلس، أتيتك لأحدثك حديثاً سمعت رسول الله ( يقوله، سمعت رسول الله ( يقول:
(( من خلع يداً من طاعة، لقي الله يوم القيامة لا حجة له، ومن مات ليس في عنقه بيعة، مات ميتة جاهلية )).
عبد الله بن مطيع هو: ابن الأسود بن حارثة القرشي العدوى المدني
قال بن حبان في (( الثقات )) له صحبة ولد في حياة رسول ا)): ومات في فتنة ابن الزبير )) ا هـ.
وقال الحافظ في (( التقريب )) :
(( له رؤية وكان رأس قريش يوم الحرة، وأمره ابن الزبير على الكوفة، ثم قتل معه سنة ثلاث وسبعين )) ا هـ.
قال الذهبي في (( العبر )) (9) – في حوادث سنة ثلاث وستين -:
(( كانت وقعة الحرة، وذلك أن أهل المدينة خرجوا على يزيد لقلة دينه فجهز لحربهم جيشاً عليهم مسلم بن عقبة )) ا هـ.
(( وكان سبب خلع أهل المدينة له أن يزيد أسرف في المعاصي )) (10)
قال الحافظ بن كثير في (( البداية والنهاية )) (11)
(( ولما خرج أهل المدينة عن طاعته – أي: يزيد -، وولوا عليهم بن مطيع، وابن حنظلة، لم يذكروا عنه – وهم أشد الناس عداوة له – إلا ما ذكروه عنه من شرب الخمر وإتيانه بعض القاذورات... بل قد كان فاسقاً، والفاسق لا يجوز خلعه، لأجل ما يثور بسبب ذلك من الفتنة ووقوع الهرج – كما وقع في زمن الحرة –
وقد كان عبد الله بن عمر بن الخطاب وجماعات أهل بيت النبوة ممن لم ينقض العهد، لا بايع أحد بعد بيعته ليزيد كما قال الإمام أحمد (12) : حدثنا إسماعيل ابن علية : حدثني صخر بن جورية، عن نافع قال : لما خلع الناس يزيد بن معاوية جمع ابن عمر بنية وأهله، ثم تشهد، ثم قال :
(( أما بعد، فإننا بايعنا هذا الرجل على بيع الله ورسوله، وأني سمعت رسول الله ( يقول : (( إن الغادر ينصب له لواء يوم القيامة، يقال : هذا غدرة فلان )).
وإن من أعظم الغدر – إلا أن يكون الإشراك بالله - : أن يبايع رجل رجلاً على بيع الله ورسوله، ثم ينكث بيعته فلا يخلعن أحد منكم يزيد ولا يسرفن أحد منكم في هذا الأمر، فيكون الفيصل بيني وبينه .
وقد رواه مسلم والترمذي من حديث صخر بن جويرية، قال الترميذي: حسن صحيح )) ا هـ. كلام ابن كثير.
قلت: هو في كتاب الفتن من (( صحيح البخاري )) بالقصة نفسها.
قال الحافظ ابن حجر – رحمه الله تعالي – في (( الفتح )) (13)
(( وفي هذا الحديث جواب طاعة الإمام الذي انعقدت له البيعة، والمنع من الخروج عليه ولو جار في حكمه، وأنه لا ينخلع بالفسق )) ا ه ـ.
قال الحافظ ابن كثير – رحمه الله – في (( البداية والنهاية )):
(( ولما رمطيع: المدينة من عند يزيد، مشى عبد الله بن مطيع وأصحابه إلي محمد بن الحنفية فأرادوه على خلع يزيد، فأبي عليهم.
فقال ابن مطيع : أن يزيد يشرب الخمر، ويترك الصلاة ويتعدى حكم الكتاب.
فقال لهم: ما رأيت منه ما تذكرون، وقد حضرته وأقمت عنده، فرأيته مواظباً على الصلاة متحرياً للخير، يسأل عن الفقه، ملازماً للسنة.
فقال: فإن ذلك كان منه تصنعاً لك.
فقال : وما الذي خاف مني أو رجا حتى يظهر إلي الخشوع ؟ ! أفأطلعكم على ما تذكرون من شرب الخمر ؟ فلئن كان أطلعكم على ذلك: إنكم لشركائه، وإن لم يكن أطلعكم فما يحل لكم أن تشهدوا بما لا تعلموا.
قالوا: إن عندنا لحق، وإن لم يكن رأيناه.
فقال لهم: أبى الله ذلك على أهل الشهادة فقال: ( إِلاَّ مَن شَهِدَ بِالْحَقِّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ ( (14)، ولست من أمركم في شيء
قالوا: فلعلك تكره أن يتولى الأمر غيرك، فنحن نوليك أمرنا
قال: ما استحل القتال على ما تريدونني عليه – تابعاً ولا متبوعاً -.
قالوا: قد قاتلت مع أبيك – أي: على بن أبي طالب – رضي الله عنه - ؟قالوا: : جيئوني بمثل أبي أقاتل على مثل ما قاتل عليه.
قالوا : فمر أبنيك أبا القاسم والقاسم بالقتال معنا.
قال: قو أمرتهما قاتلت.
قالوا: فقم معنا مقاماً تحض الناس فيه على القتال معنا.
قال: سبحان الله ! آمر الناس بما لا أفعله ولا أرضاه إذاً ما نصحت لله في عباده !
قال:: إذاً نكرهك.
قال : إذا آمر الناس بتقوى الله، ولا يرضون المخلوق بسخط الخالق.
وخرج إلي مكة )) ا هـ.

9 )(1/67)
10 )(( تاريخ الخلفاء )) للسيوطي : ( ص 209 )، ط. محي الدين عبد الحميد.
11 ) ( 8/232) ط. السعادة
12 )(المسند )) ( 7//231-232 )، (8/84 ) ط. الشيخ أحمد شاكر.
13 ) ( 13/68 ).
14 ) سورة الزخرف، الآية : 86 .



القاعدة الثانية: من غلب فتولي الحكم واستتب له،فهو إمام تجب بيعته وطاعته،وتحرم منازعته ومعصيته

((.الإمام أحمد – رحمه الله تعالى – في العقيدة التي رواها عنه عبدوس بن مالك العطار:
(( ... ومن غلب عليهم يعني: الولاة – بالسيف حتى صار خليفة، وسمي أمير المؤمنين، فلا يحل لأحد يؤمن بالله واليوم الآخر أن يبيت ولا يراه إماماً، براً كان أو فاجراً )) (15) ا هـ
واحتج الإمام أحمد بما ثبت عن ابن عمر – رضي الله عنه – أنه قال : (( ... وأصلي وراء من غلب )) (16)
وقد أخرج أبي سعيد في (( الطبقات )) (17) – بسند جيد – عن زيد ابن أقال:ن ابن عمر كان في زمان الفتنة لا يأتي أمير إلا صلى خلفه، وأدي إليه زكاة ماله.
وفي (( صحيح البخاري )) (18) – كتاب الأحكام باب كيف يبايع الإمام الناس – عن عبد الله بن دينار قال : شهدت ابن عمر حيث اجتمع الناس على عبد الملك، قال :
(( كتب: أني أقر بالسمع والطاعة لعبد الله عبد الملك أمير المؤمنين، على سنة الله وسنة رسوله ما استطعت، وان بني قد أقروا بمثل ذلك )).
قوله: (( حيث اجتمع الناس على عبد الله عبد الملك ))، يريد: ابن مروان بن الحكم.
والمراد بالاجتماع : اجتماع الكلمة، وكانت قبل ذلك مفرقة، وكان في الأرض قبل ذلك اثنان، كل منهمالفقهاء: بالخلافة، وهما عبد الملك بن مروان، وعبد الله بن الزبير – رضي الله عنه –
وكان ابن عمر في تلك المدة امتنع أن يبايع لابن الزبير أو لعبد الملك، فلما غلب عبد الملك واستقر له الأمر بايعه (19)
وهذا الذي فعله ابن عمر من مبايعة المتغلب هو الذي عليه الأئمة، بل، بل انعقدت عليه الإجماع من الفقهاء :
ففي (( الاعتصام )) للشاله:(20)
فقال:يحيى بن يحيى قيل له: البيعة مكروهة ؟ قال: لا. قيل له: فإن كانوا أئمة جور ؟ فقال : قد بايع ابن عمر لعبد الملك بن مروان ،وبالسيف أخذ الملك، أخبرني بذلك مالك عنه، أنه كتب إليه : وأقر لك بالسمع والطاعة على كتاب على كتاب الله وسنة نبيه محمد ( .
قال يحيى بن يحيى: والبيعة خير من الفرقة )) ا هـ.
وروى البيهقي في يقول:قب الشافعي )) (21) عن حرملة قال:
(( سمعت الشافعي يقول : كل من غلب على الخلافة بالسيف حتى يسمي خليفة، ويجمع الناس عليه، فهو خليفة انتهى.
وقد حكى الإجماع على ذلك الحافظ ابن حجر – رحمه الله تعالي – في (( الفتح )) (22)، فقال:
((وقد أجمع الفقهاء على وجوب طاعة السلطان المتغلب والجهاد معه، وأن طاعته خير من الخروج عليه لما في ذلك من حقن الدماء، وتسكين الدهماء )) انتهى.
وقد حكى الإجماع – أيضا – شيخ الإسلام الشيخ محمد بن عبد الوهاب – رحمه الله تعالي – فقال:
(( الأئمة مجموعون من كل مذهب على أن من تغلب على بلد – أو بلدان – له حكم الإمام في جميع الأشياء... )) العلم.
وقال الشيخ عبد اللطيف بن عبد الرحمن بن حسن آل الشيخ – رحم الله الجميع - :
((وأهل العلم .... متفقون على طاعة من تغلب عليهم في المعروف، يرون نفوذ أحكامه، وصحة إمامته، لا يختلف في ذلك اثنان، ويرون المنع من الخروج عليهم بالسيف وتفريق الأمة، وإن كان الأئمة فسقة ما لم يروا كفراً بواحاً ونصوصهم في ذلك موجودة عن الأئمة الأربعة وغيرهم وأمثالهم ونظرائهم )) (23) اهـ


15 ) (( الأحكام السلطانية )) لأبي يعلى : ( ص 23 )، ط. الفقي، انظر هذه العقيدة كاملة في (( طبقات الحنابلة )) لابن أبي يعلى : ( 1/241-246 ).
16 ) ذكر ذلك القاضي في (( الأحكام السلطانية )) : ( ص 23) من رواية أبي الحارث عن احمد.
17 ) (4/193 ): ط. دار صادر بيروت.
18 ) ( 13/193 ).
19 ) ينظر (( الفتح )) : ( 13/194).
20 ) (3/46) ط مكتبة التوحيد، تحقيق الشيخ مشهور آل سلمان.
21 ) (1/448)، ط. دار التراث، تحقيق : السيد أحمد صقر.
22 ) ( 13/7 ) .
23 ) ( مجموعة الرسائل والمسائل النجدية )) : ( 3/168) .


القاعدة الثالثة: إذا لم يستجمع المتغلب شروط الإمامة وتم له التمكين واستتب له الأمر ووجبت طاعته، وحرمت معصيته
قال الغزالي :
(( لو تعذر وجود الورع والعلم فيمن يتصدى للإمامة – بأن يغلب عليها جاهل بالأحكام، أو فاسق – وكان في صرفه عنها إثارة فتنة لا تطاق، حكمنا بانعقاد إمامته.
لأنا بين أن نحرك فتنة بالاستبدال، فما يلقي المسلمون فيه – أي: في هذا الاستبدال – من الضرر يزيد على ما يفوتهم من نقصان هذه الشروط التي أثبتت لمزية المصلحة.
فلا يهدم أصل المصلحة شغفاً بمزاياها، كالذي يبني قصر ويهدم مصراً.
وبين أن نحكم بخلو البلاد عن الإمام، وبفساد الأقضية وذلك محال.
ونحن نقضي بنفوذ قضاء أهل البغي في بلادهم لمسيس حاجتهم، فكيف لا نقضي بصحة الإمامة عند الحاجة والضرورة ؟ ! (24) اهـ.
وقد نقل الشاطبي في (( الاعتصام )) (25) كلاماً للغزالي نحو هذا، لما مثل ل (( المصالح المرسلة )) هذا نصه:
(( أما إذا انعقدت الإمامة بالبيعة، أو تولية العهد لمنفك عن رتبة الاجتهاد وقامت له الشوكة، وأذعنت له الرقاب، بأن خلا الزمان عن قرشي مجتهد مستجمع جميع الشروط وجب الاستمرار [ على الإمامة المعقودة إن قامت له الشوكة ]إمامته.ن قدر حضور قرشي مجتهد مستجمع للورع والكفاية وجميع شرائط الإمامة واحتاج المسلمون في خلع الأول إلي تعرض لإثارة فتن، واضطراب الأمور، لم يجز لهم خلعه والاستبدال به، بل تجب عليهم الطاعة له، والحكم بنفوذ ولايته وصحةإمامته.... )، ثم ضرب الغزالي مثلاً رائعاً وهو أن العلم اشتط الإمام لتحصيل مزيد من المصلحة في الاستقلال بالنظر والاستغناء عن التقليد.
إذا علم ذلك، فإن المرة المطلوبة من الإمامة: تطفئة الفتن الثائرة من تفرق الآراء المتنافرة.
قال الغزالي بعد ذلك:
فكيف يستجيز العاقل تحريك الفتنة وتشويش النظام وتفويت أصل المصلحة في الحال، تشوفاً إلي مزيد دقيقة في الفرق بين النظر والتقليد (26)
قال الشاطبي – تعليقاً على كلام الغزالي - :
(( هذا ما قال – يعني : الغزالي -، وهو متجه بحسب النظر المصلحي وهو ملائم لتصرفات الشرع وإن لم يعضده نص على التعيين. وما قرره هو اصل مذهب مالك ... ))
ثم ساق الشاطبي رواية عن مالك بن أنس في هذا الباب – تقدم ذكرها – وقال:
(( فظاهر هذه الرواية أنه إذا خيف عند خلع غير المستحق وإقامة المستحق أن تقع فتنة وما لا يصلح، فالمصلحة الترك.
وروي البخاري عن نافع، قال :
لما خلع أهل المدينة يزيد بن معاوية، جمع بن عمر حشمه وولده، فقال : إني سمعت رسول الله ( يقول : (( ينصب لكل غادر لواء يوم القيامة ))، وإنا قد بايعنا هذا الرجل على بيعة الله ورسوله، وأني لا أعلم أحد منكم خلعه ولا تابع في هذا الأمر إلا كانت الفيصل بيني وبينه (27)
قال بن العربي :
وقد قال ابن الخياط أن بيعة عبد الله لزيد كانت كرها، وأين يزيد من ابن عمر ؟ ولكن رأى بدينه وعلمه التسليم لأمر الله، والفرار من التعرض لفتنة فيها من ذهاب الأموال والأنفس ما لا يفي بخلع يزيد، لو تحقق أن الأمر يعود في نصابه، فكيف ولا يعلم ذلك ؟
قال وهذا أصل عظيم فتفهموه والزموه، ترشدوا – إن شاء الله - )). انتهى من (( الاعتصام )) للشاطبي (28)


24 ) ((إحياء علوم الدين )) وما بين شطرين من (( شرحه )) للزبيدي ( 2/233 ).
25 ) ( 3/44)، وقد وقفت على كلام الغزالي هذا في كتابه (( فضائح الباطنية )) ( 119/120 )
26 ) يا ليت أخواننا الذين يشوشون على الناس في قضية (( تخلف بعض شروط الإمامة )) يتأملون هذا الكلام العلمي الرصين وينظرون ما علق عليه الشاطبي – وهو من علماء الاجتهاد – تأييداً ونصرة له.
27 ) صحيح البخاري كتاب الفتن، باب : إذا قال عند قوم شيئا ً ثم خرج فقال بخلافه : ( 13/68 ).
28 ) (3/46-47 )، ونحو هذا الكلام لابن العربي في (( العواصم من القوا صم )) لابن الوزير، ط مؤسسة الرسالة : ( 2/172 )، وقد ذكر نظائر لهذه المسألة منها نكاح المرآة بغير إذن الولي متي غاب وليها وبعد مكانه، أو جهلت حياته، قد ترك كثير من العلماء شرط العقد المشروع – وهو رضا الولي – لأجل مصلحة امرأة واحدة، وخوف مضرة امرأة المفقود فكيف بمصلحة عوالم من المسلمين وخوف مضرتهم ؟ )) ا هـ الخ ما ذكره من النظائر .





القاعدة الرابعة: يصح في الاضطرار تعدد الأئمة ،ويأخذ كل إمام منهم في قطره حكم الإمام الأعظم

((ومن لم يفرق بين حالي الاختيار والاضطرار، فقد جهل المعقول والمنقول ))(29)
قال شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب – رحمه الله تعالي - : (( الأئمة مجموعون من كل مذهب على أن من تغلب على بلد – أو بلدان – له حكم الإمام في جميع الأشياء ولولا هذا ما استقامت الدنيا، لأن الناس من زمن طويل – قبل الإمام أحمد إلي يومنا هذا – ما اجتمعوا على إمام واحد ولا يعرفون أحداً من العلماء ذكر أن شيئاُ من الأحكام لا يصح إلا بالإمام الأعظم (30) اهـ.
وقال العلامة الصنعاني – رحمه الله تعالي – في شرح حديث أبي هريرة – رضي الله عنه – مرفوعاً : (( من خرج عن الطاعة وفارق الجماعة ومات، فميتته ميتة جاهلية )) (31)
((قوله : ((عن الطاعة ))، أي : طاعة الخليفة الذي وقع الاجتماع عليه ،وكأن المراد خليفة أي قطر من الأقطار، إذ لم يجمع الناس على خليفة في جميع البلاد الإسلامية من أثناء الدولة العباسية بل استقل أهل كل إقليم بقائم بأمورهم، إذ لو حمل الحديث على خليفة أجتمع عليه أهل الإسلام، لقلت فائدته.
وقوله : (( وفارق الجماعة ))، أي : خرج عن الجماعة الذين اتفقوا على طاعة إمام انتظم به شملهم واجتمعت به كلمتهم وحاطهم عن عدوهم )) (32)ا هـ.
وقال العلامة الشوكاني – رحمه الله تعالى – في شرح صاحب (( الأزهار )) : (( ولا يصح إمامان )) :
(( وأما بعد انتشار الإسلام واتساع رقعته وتباعد أطرافه، فمعلوم أنه قد صار في كل قطر – أو أقطار – الولاية إلي إمام أو سلطان، وفي القطر الآخر كذلك، ولا ينعقد لبعضهم أمر ولا نهي في قطر الآخر وأقطاره التي رجعت إلى ولايته.
فلا بأس بتعدد الأئمة والسلاطين ويجب الطاعة لكل واحد منهم بعد البيعة له على أهل القطر الذي ينفذ فيه أوامره ونواهيه، وكذلك صاحب القطر الآخر.
فإذا قام من ينازعه في القطر الذي ثبت فيه ولايته، وبايعه أهله، كان الحكم فيه أن يقتل إذا لم يتب.
ولا تجب على أهل القطر الآخر طاعته، ولا الدخول تحت ولايته، لتباعد الأقطار، فأنه قد لا يبلغ إلي ما تباعد منها خبر إمامها أو سلطانها، ولا يدري من قام منهم أو مات، فالتكليف بالطاعة والحال هذا تكيف بما لا يطاق.
وهذا معلوم لكل من له إطلاع على أحوال العباد والبلاد ....
فاعرف هذا، فإنه المناسب للقواعد الشرعية، والمطابق لما تدل عليه الأدلة، ودع عنك ما يقال في مخالفته، فإن الفرق بين ما كانت عليه الولاية الإسلامية في أول الإسلام وما هي عليه الآن أوضح من شمس النهار.
ومن أنكر هذا، فهو مباهت ولا يستحق أن يخاطب بالحجة لأنه لا يعقلها )) (33) ا هـ.
فهذه أقوال ثلاثة من علماء الأمة المجتهدين تقرر صحة تعدد الأئمة في بيعة الاضطرار، ومعولها على الأدلة الشرعية والقواعد المرعية والمصالح الكلية، وقد سبقهم إلي نحو هذا ثلة من العلماء المحققين.
من ذلك قول العلامة ابن الأزرق المالكي قاضي القدس (34) :
(( أن شرط وحدة الإمام بحيث لا يكون هناك غيره لا يلزم مع تعذر الإمكان.
قال بن عرفة – فيما حكاه الأبي عنه - : فلو بعد موضع الإمام حتى لا ينفذ حكمه في بعض الأقطار البعيدة، جاز نصب غيره في ذلك القطر.
وللشيخ علم الدين – من علماء العصر بالديار المصرية - : يجوز ذلك للضرورة ... )) ا هـ.
وقد حكي العلامة بن كثير الخلاف في هذه المسألة، وذكر قول الجمهور القائلين بعدم الجواز، ثم قال :
(( وحكي إمام الحرمين عن الأستاذ أبي إسحاق أنه جوز نصب إمامين فأكثر إذا تباعدت الأقطار، واتسعت الأقاليم بينهما، وتردد إمام الحرمين في ذلك .
قلت : وهذا يشبه حال الخلفاء من بني العباس بالعراق والفاطميين بمصر والأمويين بالمغرب ... )) (35) اهـ.
وقال المازري في (( المعلم )) (36)
(( العقد لإمامين في عصر واحد لا يجوز وقد أشار بعض المتأخرين من أهل الأصول إلي أن ديار المسلمين إذا اتسعت وتباعدت، وكان بعض الأطراف لا يصل إليه خبر الإمام ولا تدبيره حتى يضطروا إلي إقامة إمام بدبرهم، فإن ذلك يسوغ لهم )) ا هـ
وبهذه النقول الواضحة يتجلى ما عليه بعض المحققين من أهل العلم من جواز تعدد الأئمة للضرورة والحاجة.
وعليه يثبت شرعاً لهؤلاء الأئمة المتعددين ما يثبت للإمام الأعظم يوم أن كان موجوداً فيقيمون الحدود ونحوها ويسمع ويطاع لهم، ويحرم الخروج عليهم.
يقول شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله تعالي – :
(( والسنة أن يكون للمسلمين إمام واحد والباقون نوابه، فإذا فرض أن الأمة خرجت عن ذلك لمعصية من بعضها، وعجز من الباقين - - فكان لها عدة أئمة، لكان يجب على كل إمام أن يقيم الحدود، ويستوفي الحقوق .... )) (37) ا هـ .


29 ) (( العواصم والقواصم في الذب عن سنة أبي القاسم )) : ( 8/174 )، ط. مؤسسة الرسالة، وقد ساق الأدلة من العقل والنقل على هذه الجملة فأرجع إليه .
30 ) (( الدار السنية في الأجوبة النجدية )) : ( 7/239 ).
31 ) أخرجه مسلم في ((صحيحه ))- كتاب الإمارة - : (3/1476 ) .
32 ) (( سبيل السلام شرح بلوغ المرام من أدلة الأحكام )) :(3/499 )، ط. جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية.
33 ) (( السيل الجرار المتدفق على حدائق الأزهار )) : ( 4/512 ).
34 ) في كتابه (( بدائع السلك في طبائع الملك )) : ( 1/76-77 ) ط. العراق، تحقيق الدكتور على النشار.
35 ) ((تفسير ابن كثير )) : ( 1/74)، ط1. مكتبة النهضة بمكة المكرمة .
36 ) (( المعلم بفوائد مسلم )) ( 3/35-36 ) .
37 ) (( مجموع الفتاوى )) : ( 35/175-176 ).


القاعدة الخامسة: الأئمة الذين أمر النبي ( بطاعتهم هم الأئمة الموجودون المعلومون، الذين لهم سلطان وقدرة

أما من كان معدوماً أو لا قدرة له على شيء أصلاً، فليس داخلاً فيما أمر النبي ( من طاعة الولاة .
يقول شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله تعالي – (( أن النبي ( أمر بطاعة الأئمة الموجودين المعلومين، الذين لهم سلطان يقدرون به على سياسة الناس، لا بطاعة معدوم ولا مجهول ولا من ليس له سلطان ولا قدرة على شيء أصلاً )) (38)
انتهي.
وحجة هذا : أن مقاصد الإمامة التي جاء الشرع بها من إقامة العدل بين الناس وإظهار شعائر الله –تعالي – وإقامة الحدود ونحو ذلك لا يمكن أن يقوم بها معدوم لم يوجد بعد، ولا مجهول لا يعرف.
وإنما يقوم بها الإمام الموجود الذي يعرفه المسلمون عموماً علماؤهم وعوامهم، شبابهم وشيبهم، رجالهم ونسائهم، والذي له قدرة على إنقاذ مقاصد الإمامة، فإذا أمر برد مظلمة ردت، وإذا حكم بحد أقيم، وإذا عزر نفذ تعزيزه في رعيته ونحو ذلك مما هو من مظاهر السلطان والولاية، فهذا هو الذي يحقق الله على يديه مصالح السلطان والولاية، فهذا هو الذي يحقق الله على يديه مصالح المسلمين، فتأمن به السبل وتجتمع عليه الكلمة، وتحفظ به بيضة أهل الإسلام.
فمن نزل نفسه منزلة ولي الأمر الذي له القدرة والسلطان على سياسة الناس، فدعا جماعة للسمع والطاعة له أو أعطته تلك الجماعة بيعة تسمع وتطيع له بموجبها، أو دعا الناس إلي أن يحتكموا إليه في رد الحقوق غلي أهلها تحت أي مسمي كان ونحو ذلك، وولي الأمر قائم ظاهر : فقد حاد الله ورسوله، وخالف مقتضي الشريعة، وخرج من الجماعة.
فلا تجب طاعته، بل تحرم، ولا يجوز الترافع إليه ولا ينفذ له حكم ومن آزره أو ناصره بمال أو كلمة أو أقل من ذلك، فقد أعان على هدم الإسلام وتقتيل أهله وسعى في الأرض فساداً، والله لا يحب المفسدين.



38 ) (( منهاج السنة النبوية )) ( 1/115 ) ط. رشاد سالم.





القاعدة السادسة: مراعاة الشارع الحكيم لتوقير الأمراء واحترامهم
وذلك من طريقين :
الأول : الأمر بذلك والتأكيد عليه.
الثاني : النهي عن كل ما يقضي إلي التفريط في توقيرهم واحترامهم من سبهم وانتقاصهم، والتأليب عليهم، ونحو ذلك.
فمن الطريق الأول : ما بوب له الحافظ ابن أبي عاصم في كتابه (( السنة ))، حيث قال :
باب في ذكر فضل تعزيز الأمير وتوقيره (39) ثم ساق بسنده عن معاذ بن جبل، قال : قال رسول الله ( :
(( خمس من فعل واحدة منهن كان ضامناً على الله – عز وجل - : من عاد مريضاً، أو خرج مع جنازة أو خرج غازياً أو دخل على إمامة يريد تعزيزه وتوقيره، أو قعد في ببيته، فسلم الناس منه وسلم من الناس (40)
وبسنده أيضاً عن أبي بكرة – رضي الله عنه – قال : سمعت رسول الله ً يقول : السلطان ظل الله في الأرض، فمن أكرمه أكرم الله، ومن أهانه أهانه الله )) (41)
ومثل الإمام ابن أبي عاصم : الأمام أبو القاسم الأصبهاني – الملقب بقوام السنة – حيث قال في كتابه (( الحجة في بيان المحجة وشرح عقيدة أهل السنة )) (42)
(( فصل في فضل توقير الأمير )) وساق حديث معاذ – رضي الله عنه – السابق وحديث أبي ذر – رضي الله عنه – الآتي.
ومثلهما - أيضاً - : التبريزي، حيث قال في كتابه (( النصيحة )) (43) :
باب ذكر النصيحة للأمراء وإكرام محلهم، وتوقير رتبتهم، وتعظيم منزلتهم. ا هـ
ومن الطريق الثاني : ما بوب له ابن أبي عاصم – أيضاً – في كتاب ((السنة )) حيث قال :
باب ما ذكر عن النبي ( من أمره بإكرام السلطان وزجره عن إهانته (44)
ثم ساق بسنده حديث أبي بكر – السابق - :
(( من أهان سلطان الله أهانه الله ))
وبسنده – أيضاً – عن أبي ذر – رضي الله عنه – ن قال : سمعت رسول الله ( يقول :
(( سيكون بعدي سلطان، فمن أراد ذله ثغر في الإسلام ثغرة وليست له توبة إلا أن يسدها وليس يسدها إلي يوم القيامة )).
وقد أخرج بن أبي عاصم في (( السنة )) (45) هذا الحديث من وجه أخر صحيح، عن معاوية بن أبي سفيان، قال : لما خرج أبو ذر إلي الزبدة، لقيه ركب من أهل العراق، فقالوا : يا أبا ذر قد بلغنا الذي صنع بك فاعقد لواءً يأتيك رجال ما شئت.
قال : مهلاً مهلاً يا أهل الإسلام، فغني سمعت رسول الله ( يقول : (( سيكون بعدي سلطان فأعزوه، من ألتمس ذله ثغر ثغرة في الإسلام، ولم يقبل منه توبة حتى يعيدها كما كانت ))
وفي الباب أحديث وأثار كثيرة ذكرت طرفاً منها في ( الفصل السابع، في النهي عن سب الأمراء ) (46)
ومن تأمل النصوص الواردة في هذا الباب علم أن الشارع إنما أمر بتوقير الولاة وتعزيزهم، ونهي عن سبهم وانتقاصهم لحكمة عظيمة ومصلحة كبرى، ، وأشار إلي طرف منها الإمام القرافي في كتابه (( الذخيرة )) (47) فقال :
(( قاعدة ضبط المصالح العامة واجب ولا ينضبط إلا بعظمة الأئمة في نفس الرعية، ومتي اختلفت عليهم – أو أهينوا – تعذرت المصلحة ... )) ا هـ.
وقد أشار أيضاً العلامة الشيخ محمد بن صالح بن عثيمين – رحمه الله – إلي الحكمة في ذلك بقوله :
(( فالله الله في فهم منهج السلف الصالح في التعامل مع السلطان، وأن لا يتخذ من أخطاء السلطان سبيلاً لإثارة الناس وإلي تنفير القلوب عن ولاة الأمور، فهذا عين المفسدة، وأحد الأسس التي تحصل بها الفتنة بين الناس.
كما أن ملء القلوب على ولاة الأمر يحدث الشر والفتنة والفوضى.
وكذا ملء القلوب على العلماء يحدث التقليل من شأن العلماء، وبالتالي التقليل من الشريعة التي يحملونها.
فإذا حاول أحد أن يقلل من هيبة العلماء وهيبة ولاة الأمر ضاع الشرع والأمن.
لأن الناس إن تكلم العلماء لم يثقوا بكلامهم وأن تكلم الأمراء تمردوا على كلامهم، فحصل الشر والفساد.
فالواجب أن ننظر ماذا سلك السلف تجاه ذوي السلطان وأن يضبط الإنسان نفسه وأن يعرف العواقب.
وليعلم أن من يثور إنما يخدم أعداء الإسلام، فليست العبرة بالثورة ولا بالانفعال، بل العبرة بالحكمة ...)) (48) ا هـ.
ورحم الله سهل بن عبد الله التستري حينما قال :
(( لا يزال الناس بخير ما عظموا السلطان والعلماء، فإن عظموا هذين : أصلح الله دنياهم وأخراهم، وإن استخفوا بهذين : أفسدوا دنياهم وأخراهم )) (49) ا هـ.
وأن شئت أن تتضح لك هذه القاعدة أكثر وتعلم منزلتها عند علماء الأمة، فتأمل حادثة الإمام أبي الوفاء ابن عقيل الحنبلي، ساقها الإمام ابن القيم – رحمه الله – في كتابه (( بدائع الفوائد )) (50)، حيث يقول :
(( فائدة عوتب ابن عقيل في تقبيل يد السلطان حين صافحه فقال : أرأيتم لو كان والدي فعل ذلك فقبلت يده، أكان خطأ، أم واقعاً موقعه ؟ قالوا : بلي، قال فالأب يربي ولده تربية خاصة والسلطان يربي العالم تربية عامة، فهو بالإكرام أولى.
ثم قال : وللحال الحاضرة حكم من لبسها، وكيف يطلب من المبتلي بحال، ما يطلب من الخالي عنها ؟ )) ا هـ.


39 ) (2/490-492 )
40 ) حديث صحيح بطرقه، وقد أخرجه أيضاً – الإمام أحمد في (( المسند ))( 5/241)، انظر (( ظلال الجنة في تخريج السنة )) للألباني : ( 2/490-491 ). وقد أخرج بن زنجويه في كتاب (( الأموال )9 : (1/87) نحوه من مسند عبد الله بن عمرو بن العاص، وذكر فيه (( ستاً )) بدل ((خمس )) وفي آخره :
((قال : قلت : ما الضامن ؟ قال : من مات في شيء منها دخل الجنة )) ا هـ .
41 ) حديث حسن، انظر (ص 126)
42 ) ((2/409)
43 ) (ص 89 ).
44 ) ( 2/489-490 )
45 ) ( 2/513 ) .
46 ) ( ص 173 )، وينظر في (( رد المختار على الدر المختار )) لابن عابدين الحنفي ( 3/120 ) : مطلب : تعظيم أولي الأمر واجب، وفي كتاب (( طاعة السلطان )) لأبي عبد الله صدر الدين محمد بن إبراهيم السلمي المناوي الشافعي ( ص 41 ) : الفصل الثاني : فيما يجب من تعظيمه، وحقه على رعيته.
47 ) ( 13/234 )ط. دار الغرب الإسلامي .
48 ) نقلاً عن رسالة (( حقوق الراعي والرعية )) مجموعة خطب للشيخ ابن عثيمين .
49 ) ( تفسير القرطبي ) : ( 5/260-261 ).
50 ) ( 2/176) ط. المنيرية .


الفصل الثاني: في بيان المكانة العلية لولي الأمر في الشرع المطهر

أولو الأمر لهم مكانة علية، ومنزلة رفيعة جلية، منحهم الشارع إياها ليتناسب قدرهم مع علو وظيفتهم ورفيع منصبهم وعظم مسؤوليتهم، فإن منصبهم – منصب الإمامة – إنما وضع ليكون خلفاً للنبوة في حراسة الدين وسياسة الدنيا.
أن وضع الشارع ولاة الأمر في هذه المكانة الشريفة والرتبة المنيفة هو عين الحكمة التي يرعاها في سائر تصرفاته، وعين المصلحة التي يتشوق إلي تحقيقها.
فإن الناس لا يسوسهم إلا قوة الإمام وحزمه فلو لم يعطه الشارع ما يناسب طبيعة عمله من فرض احترامه وتعظيمه - ونحو ذلك -، لامتهنه الناس، ولم ينقادوا له، ومن ثم يحل البلاء وتعم الفوضى وتفوت المصالح، فتفسد الدنيا ويضيع الدين.
قال الإمام بدر الدين ابن جماعة في كتابه : (( تحرير الأحكام في تدبير أهل الإسلام )) (51) في مساق ذكر حقوق ولي الأمر :
(( الحق الرابع : أن يعرف أن له عظيم حقه، وما يجب من تعظيم قدره، فيعامل بما يجب له من الاحترام والإكرام، وما جعل الله – تعالي – له من الإعظام، ولذلك كان العلماء الأعلام من أئمة الإسلام يعظمون حرمتهم ويلبون دعوتهم – مع زهدهم وورعهم وعدم الطمع فيما لديهم -.
وما يفعله بعض المنتسبين إلي الزهد من قلة الأدب معهم فليس من السنة )) ا هـ.
ولما أن الشارع أعطي ولي الأمر تلك المنزلة الرفيعة وجدت الناس مفطورين على تعظيمه واحترامه وهيبته ولا يخرج عن ذلك إلا ملوث الفطرة ضعيف الديانة، ولذا قال أمير المؤمنين عثمان بن عفان – رضي الله عنه - ؛
(( ما يزرع الإمام أكثر مما يزرع القرآن ))
أخرجه بن عبد البر في (( التمهيد )) (52) من طريق ابن القاسم قال : حدثنا مالك : أن عثمان كان يقول ... فذكره.
قال ابن القاسم قلت لمالك : ما يزرع ؟ قال يكف.
وأهل الأدب والكاتبون في الساسة يذكرون هذا الأثر بلفظ :
(( ما يزرع الله بالسلطان أكثر ما يزرع بالقرآن )) (53)
قال ابن منظور في (( اللسان )) (8/390 ) : معناه : أن من يكف عن ارتكاب العظائم مخافة السلطان أكثر ممن تكفه مخافة القرآن والله تعالي، فمن يكفه السلطان عن المعاصي أكثر ممن يكفه القرآن بالأمر والنهي والإنذار. ا هـ.
فهذا وجه من وجوه المصلحة في تأكيد الشارع على مكانة السلطان ووجوب تعزيزه وتوقيره، مما يظهر عظمة السلطان ويوقع مهابته في النفوس، فتنكف عن المحظور خشية بأس السلطان.
وذلك لأن العلة المانعة من الظلم عقل زاجر، أو دين حاجز، أو سلطان رادع أو عجز صاد، فإذا تأملت لم تجد لها خامساً.
ورهبة السلطان أبلغها، لأن العقل والدين ربما كانا مشغولين بداعي الهوى فتكون رهبة السلطان أشد زجراً وأقوي ردعاً. قاله المناوي في (( الفيض )) ( 4/143).
ونحن نذكر – أن شاء الله تعالي – جملاً في مكانة ولي الأمر في الشرع على جهة الاختصار، لأن كثيراً منها له موضع بسط في هذه الرسالة وذلك ليكون إجلال المسلم سلطانه على جهة التعبد لله – تعالي-، والنصح للسلطان فلا يخل بشيء من حقوقه عليه كما لا يخل بشيء من حقوق والديه عليه، ويحتسب بذلك الأجر الأوفر من الله – عز وجل -.
فمن ذلك
1- أن الله – تعالي – أمر بطاعة الولاة وقرن طاعته – تعالي – وطاعة رسوله ( بطاعتهم فدل على ذلك على رفيع شأنهم وعظيم قدرهم، قال – تعالي ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ ( (54)
وهذه الطاعة لولاة الأمر المفروضة على العباد مقيدة بما إذا لم يأمروا بمعصية الله – تعالي – فإذا أمروا بمعصية فلا يطاعون في هذه المعصية لأنه لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق.
وقد شهدت السنة بهذا القيد في أحاديث عديدة يأتي ذكرها – أن شاء الله تعالي-.
2 - إخبار الشارع بأن من أكرم السلطان، أكرمه الله، ومن أهانه أهانه الله.
والمعني أن من تجرأ على السلطان فأهانه بفعل أو قول فقد تعدي حدود الله ،وأرتكب محظوراً شنيعاً، فكانت عقوبته من جنس عمله المشين، وهي أن الله – تعالي – يقابل هوانه بهوانه، وهو أن الله أعظم وأشد.
وما هذا العقاب الصارم لمن أهان السلطان إلا لما يترتب على إهانته من إذهاب هيبته وتجريء الرعاع عليه مما ينافي مقاصد الشارع من نصب السلطان .
وفي المقابل : من أكرم السلطان بحفظ ما أثبته الشارع له من الحقوق والواجبات فأجله وعزره وقدره، ولم يخرج عن أمره في المعروف، كان جزاؤه من جنس عمله المبارك فأكرمه الله – تعالي – في هذه الدنيا برفعته وتسخير قلوب العباد لإكرامه، وفي الآخرة بدخول الجنة.
وقد جاء في بعض ألفاظ حديث أبي بكر – رضي الله عنه - :
(( من أجل سلطان الله، أجله الله يوم القيامة )) أخرجه ابن أبي عاصم في (( السنة )) (55)
2- أن السلطان ظل الله في الأرض وهذه الجملة هي مقولة أهل السنة والجماعة، حكاها عنهم ابن أبي زمنين في كتابه (( أصول السنة )) (56) وهي مروية في عدة أحاديث عن رسول الله (، ورواها أبو بكر وعمر، وابن عمر، وأبو بكرة، وأنس، وأبو هريرة – رضي الله عنهم -، أشار إلي ذلك السخاوي في (( المقاصد الحسنة )) (57)، وذكر أنه جمعها في جزء سماه (( رفع الشكوك في مفاخر الملوك )) .
قلت حديث أبي بكر أصحها، وهو حديث حسن، كما سيأتي بيان ذلك، ولفظه عند ابن أبي عاصم في السنة (( السنة )) (58) :
(( السلطان ظل الله في الأرض، فمن أكرمه أكرم الله ومن أهانه أهانه الله )).
قوله (( السلطان ظل الله ))، أي يدفع الله به الأذى عن الناس، كما أن الظل يدفع أذى حر الشمس
وأضيف إلي الله – تعالي – هنا في قوله (( ظل الله )) – وفي بعض الألفاظ (( سلطان الله ))-، إعلاماً للناس بأنه ظل ليس كسائر الظلال، فهو أرفعها وأجلها، وأعظمها فائدة ونفعاً.
وهذه الإضافة إلي الله إنما هي إضافة تشريف كما يقال بيت الله، وكعبة الله، ونحو ذلك، ففيه إشارة إلي علو مكانة السلطان وشرف منزلته.
3- نهي الشارع عن سب السلطان وزجره لمن وقع في ذلك، وقد ورد في هذا المعني عدة أحاديث لا تصح ،ولكن ثبت عن الصحابة من هذا شيء كثير.
يقول أنس – رضي الله عنه - :
((نهانا كبراؤنا ن أصحاب رسول الله ( قالوا : لا تسبوا أمرائكم ..)) (59)
قال المنياوي في (( فيض القدير )) (60)
(( جعل الله - السلطان – معونة لخلقه، فيصان منصبه عن السب والامتهان ليكون احترامه سبباً لامتداد فيء الله ودوام معونة خلقه.
وقد حذر السلف من الدعاء عليه فإنه يزداد شراً ويزاد البلاء على المسلمين )) ا هـ.
وقد أخرج البيهقي في (( الشعب )) من طريق أبي عثمان سعيد ابن اسما عيل الواعظ الزاهد : حدثنا موسي بن نصر : حدثنا جرير، عن سهيل بن أبي صالح عن عطاء بن يزيد الليثي، عن تميم الداري، قال : قال رسول الله (
(( الدين النصيحة )) الحديث.
قال : أبو عثمان الزاهد :
(( فانصح للسلطان وأكثر له من الدعاء بالإصلاح والرشاد، بالقول والعمل والحكم، فإنهم إذا صلحوا، صلح العباد بصلاحهم.
وإياك أن تدعو عليهم بالعنة، فيزدادوا شراً، ويزداد البلاء على المسلمين ولكن ادعوا لهم بالتوبة فيتركوا الشر، فيرتفع البلاء عن المؤمنين )) (61) ا هـ
5- نقل بدر الدين ابن جماعة عن الطرطوشي في قوله – تعالي - ( وَلَوْلا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُم بِبَعْضٍ لَّفَسَدَتِ الأَرْضُ ( (62)، قال :
(( قيل في معناه : لولا أن الله تعالي أقام السلطان في الأرض يدفع القوي عن الضعيف، وينصف المظلوم من ظالمه، لتواثب الناس بعضهم على بعض، (( فلا ينتظم لهم حال، ولا يستقر لهم قرار، فتفسد الأرض ومن عليها، (63) ثم أمتن الله – تعالي – على عباده بإقامة سلطان لهم بقوله ( وَلَكِنَّ اللَّهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى العَالَمِينَ ( (64) اهــ
قال الألوسي في تفسير هذه الآية : (( وفي هذا تنبيه على فضيلة الملك، وأنه لولاه ما استتب أمر العالم.
ولهذا قيل : الدين والملك تؤمان، ففي ارتفاع أحدهما ارتفاع الأخر، لأن الدين أس والملك حار س، وما لا أس له فمهدوم، وما لا حارس له فضائع )) (65) ا هـ
فامتنان الله – تعالي – على عباده بأثامه السلطان بين أظهرهم دليل على فضل السلطان، إذ أن الله – تعالي – إنما يمتن على عباده بالأمور العظام، تنبيه على ما دونها، وإظهار لعظيم فضله – تعالي -.
6- الإجماع المنعقد من الأمة على أن الناس لا يستقيم لهم أمر من أمور دينهم، ولا دنياهم إلا بالإمامة، فلولا الله ثم الإمامة لضاع الدين وفسدت الدنيا.
وفي هذا المعني يقول الفقيه أبو عبد الله القلعي الشافعي في كتابه (( تهذيب الرياسة )) (66)
(( نظام أمر الدين والدنيا مقصود، ولا يحصل ذلك إلا بإمام موجود.
لو لم نقل بوجوب الإمامة، لأدي ذلك إلي دوام الاختلاف والهرج إلي يو م القيامة.
لو لم يكن للناس إمام مطاع، لنثلم شرف الإسلام وضاع .
لو لم يكن للأمة إمام قاهر، لتعطلت المحاريب والمنابر، وانقطعت السبل للوارد والصادر.
لو خلي عصر من إمام، لتعطلت فيه الأحكام، وضاعت الأيتام، ولم يحج البيت الحرام.
لولا الأئمة والقضاة والسلاطين والولاة، لما نكحت الأيامى، ولا كفلت اليتامى.
لولا السلطان، لكان الناس فوضي، ولأكل بعضهم بعضا )) ا هـ.
.... هذا الكلام من أجمع الكلام وأحكمه وأعذبه.
7- أن السلطان أعظم الناس أجراً إذا عدل.
يقول العز بن عبد السلام في كتابه (( قواعد الأحكام في مصالح الأنام )) (67)
(( وعلى الجملة فالعادل من الأئمة والولاة والحكام أعظم أجراً من جميع الأنام – بإجماع أهل الإسلام -، لأنهم يقومون بجلب كل صالح كامل، ودرء كل فاسد شامل.
فإذا أمر الإمام بجلب المصالح العامة ودرء المفاسد العامة، كان له أجر بحسب ما دعا إليه من المصالح العامة، وزجر عنه من المفاسد، ولو كان ذلك بكلمة واحدة لأجر عليها بعدد متعلقاتها ... )) .
قال : (( وأجر الإمام الأعظم أفضل من أجر المفتي والحاكم – يعني القاضي -، لأن ما يجلبه من المصالح ويدرؤه من المفاسد أتم وأعم )) (68) ا هـ.
وقد أخرج البخاري (69) ومسلم (70) عن أبي هريرة عن النبي ( قال :
(( سبعة يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله : الإمام العادل .... )) الحديث.
قال الحافظ :
(( المراد به صاحب الولاية العظمي، ويلتحق به كل من ولي شيئاً من أمور المسلمين، فعدل فيه ... )) (71) ا هـ.
وإنما جوزي بهذا الجزاء، لأن الناس كانوا في ظله في الدنيا فكان جزاؤه في الآخرة من جنس عمله في الدنيا جزاءً وفاقاً.
وقدمه ( لأنه أفضل السبعة، وأعلاهم مرتبة، فإنهم داخلون تحت ظله، ولعموم النفع به (72) .
وقد ذكر بعض أهل العلم أن الإمام يوضع في ميزانه جميع أعمال رعيته (73)
وهذا ما أشار إليه العز في قوله المتقدم : (( كان له أجر بحسب ما دعا إليه من المصالح ... )) الخ.
قال ابن الأزرق المالكي : (( وقاعدة أن فاعل السبب بمنزلة فاعل المسبب قاطعة بذلك.
وإليها يشير قوله ( :
(( من دعي إلي هدى، كان له من الأجر مثل أجور من تبعه، لا ينقص من أجورهم شياً، ومن دعا إلي ضلالة، كان عليه من الإثم مثل آثام من تبعه لا ينقص ذلك من آثامهم شيئاً.
رواه مسلم عن أبي هريرة (74) ا هـ.
وكما أنه إذا دعا إلي هدى كان له مثل أجر من عمله من رعيته، فإنه لو دعا إلي باطل من معتقد فاسد أو معصية، فعمل بها الناس، فعليه من الآثام مثل آثام من تبعه في ذلك إلي يوم القيامة (75) .
8- إجماع المسلمين على أن الولايات من أفضل الطاعات حكاه العز ابن عبد السلام في (( القواعد )) (76)
وأنه من أعظم واجبات الدين، كما قال شيخ الإسلام ابن تيمية (77)
ولو ذهبنا نستقصي مكانة الولاة في الإسلام لطال بنا الكلام وتشعبت بنا الأبحاث، وفيما ذكرنا تنبيه على المقصود والله من وراء القصد.


51 ) ط. قطر، تحقيق الدكتور / فؤاد عبد المنعم : ( ص 63).
52 ) ( 1/118 )
53 ) ينظر : (( تهذيب الرياسة وترتيب السياسة )) للقلعي : ص 95، ط. مكتبة المنار، الأردن و (( الكامل في اللغة والأدب )) للمبرد ( 1/157 )، ط مكتبة المعارف، بيروت .
54 ) سورة النساء الآية :59 .
55 ) ينظر : (( تهذيب الرياسة وترتيب السياسة )) للقلعي : ص 95، ط. مكتبة المنار، الأردن و (( الكامل في اللغة والأدب )) للمبرد ( 1/157 )، ط مكتبة المعارف، بيروت .
56 ) ( 2/492 )
57 ) ( ص 275 )
58 ) ( ص 105-106 )، ط. الخانجي بمصر، والمثني ببغداد.
59 ) انظر الفصل السابع في النهي عن سب الأمراء : ( ص 145 ).
60 ) ( 6/499).
61 ) ( الجامع لشعب الإيمان ) للبيهقي : ( 13/99 ) ط. الدار السلفية والحديث في (( صحيح مسلم ))
62 ) سورة البقرة، الآية 251.
63 ) ما بين المعقوفتين زيادة من (( الشهب اللامعة )) للمالقى. ( ص 61 )
64 ) (( تحرير الأحكام في تدبير أهل الإسلام ))، ( ص 49 )
65 ) (( روح المعاني )) (1/174 )، ط. المنيرية، وانظر : البحر المجيد لأبي حيان ( 2/269 )، ( ( حسن السلوك الحافظ دولة الملوك )) لمحمد ابن محمد الموصلي ( ص 64 ) ط. دار الوطن.
66 ) (ص94 -95 ) وانظر لهذا المعني (( مجموع الفتاوى )) لشيخ الإسلام ابن تيمية : ( 28/390 ).
67 ) (1/104 )، ط. مؤسسة الريان، بيروت، 1410 هـ.
68 ) (( القواعد )) : ( 1/104 ).
69 ) (2/143 ) – (( الفتح )) باب من جلس في المسجد ينتظر الصلاة وفضل المساجد.
70 ) ( 2/715 ) كتاب الزكاة.
71 ) (( الفتح )) ( 2/144-145 ).
72 ) ينظر : (( مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح )) : ( 2/405 )، و ( الفتح ) ( 2/145) و (( القواعد لابن عبد السلام : ( 1/104 ) .
73 ) (( قوت القلوب )) لأبي طالب المكي : ( 2/254 )
74 ) (( بدائع السلك في طبائع الملك )) : ( 1/84 )، وينظر رسالة للسيوطي اسمها : (( الأحاديث المنيفة في فضل السلطنة الشريفة )) ط. مكتبة القرآن بمصر.
75 ) ينظر لذلك : (( القواعد )) لابن عبد السلام : ( 1/104 ).
76 ) ( 1/104 )
77 ) (( مجمع الفتاوى )) : ( 28/390 ))


الفصل الثالث: حكم الإمامة ،والحكمة منها وبيان مقاصدها

أولاً : حكم الإمامة :
نصب الإمام فرض واجب على المسلمين، وهذا باتفاق الأئمة والأمة ، لا ينازع في ذلك غلا مبطل أصم عن نصوص الكتاب والسنة.
وإجماع الصحابة بعد موت النبي ( عن نصب الإمام قبل الاشتغال بدفنه ( دليل قاطع على أنه من أهم الواجبات (78).
وقد حكى الإجماع على ذلك أهل التحقيق من العلماء، ففي (( الأحكام السلطانية )) (79) – لأبي الحسن الماوردي- :
(( وعقدها لمن يقوم بها في الأمة واجب – بالإجماع -، وإن شذ عنهم الأصم ))
قلت : الأصم، هو : أبو بكر عبد الرحمن بن كيسان الأصم شيخ المعتزلة (80) ! ولا عبرة بخلافه، بل قال القرطبي – رحمه الله تعالي – في (( الجامع لأحكام القرآن )) (81)
(( ولا خلاف في جواب ذلك – أي : عقد الإمامة – بين الأمة، ولا بين الأئمة، غلا ما روي عن الأصم، حيث كان عن الشريعة أصم وكذلك كل من قال بقوله، واتبعه على رأيه ومذهبه )) .اهـ

ومن الأدلة على وجوب نصبه :

1- أن الشرع المطر علق أحكاماً كثيرة بالإمام منها قوله- تعالي - ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ ( (82)
2- ومنها قوله ( : (( من مات وليس في عنقه بيعة، مات ميتة جاهلية )) (83) ، فكيف يأمر – تعالي – بطاعة الإمام وليس وجوده واجباً ؟ وكيف يموت – من يموت وليس في عنقه بيعة – ميتة جاهلية، والإمام ليس واجباً وجوده ؟
3- قال أبو داود في (( سننه )) (84) : باب في القوم يسافرون، يؤمرون أحدهم، وأخرج فيه عن أبي سعيد الخدري – رضي الله عنه -، أن رسول الله ( قال :
4- (( إذا خرج ثلاثة في سفر، فليؤمروا أحدهم )).
وعن نافع، عن أبي هريرة، أن رسول الله ( قال :
(( إذا كان ثلاثة فليؤمروا أحدهم )).
قال نافع : فقلنا لأبي سلمة : فأنت أميرنا !
رجال الحديثين ثقات ،واضطراب محمد بن عجلان فيه – مرة يجعله من حديث أبي هريرة ومرة يجعله من حديث أبي سعيد - : لا يضر، لأنه انتقال من صحابي إلي آخر وكل حجة، فالحديث صحيح.
أفاد ذلك العلامة الألباني – رحمه الله تعالي - (85)
وأخرج الإمام أحمد في ((المسند )) (86)، عن عبد الله بن عمرو ابن العاص، أن رسول الله ( قال :
(( ... ولا يحل لثلاثة نفر، أن يكونون بأرض فلاة، إلا أمروا عليهم أحدهم ))
قال الهيثمي في (( المجمع )) (87) : رواه أحمد، وفيه ابن لهيعة، وهو لين، وبقية رجاله رجال الصحيح. ا هـ.
قلت : يعضده ما سلف .
وأخرج البزار في (( مسنده )) (88) ، عن عمر بن الخطاب – رضي الله عنه -، أنه قال :
(( إذا كنتم ثلاثة في سفر فأمروا عليكم أحدكم، ذاك أمير أمره رسول الله ( )).
قال ابن كثير : (( هذا إسناد جيد ...)) (89)
وصور الدارقطني وقفه على عمر (90)
وقد دل هذا الحديث على وجوب الإمامة من جهة أنه ( أوجب على الثلاثة تأمير أحدهم إذا سافروا مع قلة عددهم، وقصر مدة بقائهم فكان نصب الإمامة في الحضر أولي.
أفاد ذلك شيخ الإسلام ابن تيمية (91)
وبناء على هذه الأدلة الشرعية ونحوها، فإن تولي الإمامة فرض كفاية، إذا قام به من يكفي، سقط عن الباقين.
قال القاضي أبو يعلى (92)
(( وهي فرض على الكفاية، مخاطب بها طائفتان من الناس، أحدهما : أهل الاجتهاد، حتى يختاروا.
والثانية : من يوجد فيه شرائط الإمامة، حتى ينتصب أحدهم للإمامة )) .اهـ.

ثانياً : الحكمة من الإمامة :

1- طبع بنوا آدم – إلا الأنبياء والمرسلين – على حب الانتصاف وعدم الإنصاف، فلو لم يكن عليهم سلطان يسوس أمورهم لكانوا كوحوش الغابة وحيتان البحر يأكل القوي الضعيف.
وأن شئت أن تري هذه الحقيقة نصب عينيك فانظر في هذا الزمن – مثلاً – إلي (( إشارات المرور )) كيف تنظم هذه الإشارات سير الناس بسياراتهم، فإذا حصل عطل فهل رأيت شريعة الغاب ترفع أعلامها، فلا تسأل عن المقاحمات الشديدة بين قائدي السيارات، كل منهم يريد أن ينفذ الأول، لا فرق بين متعلمهم ومثقفهم وبين جاهلهم وسوقيهم، حتى إذا أصبحت السيارات – جميعها – ككتلة واحدة، بدأ السباب والشتام، وقد يرتقي غلي الضرب ونحوه، حتى يجيء شرطي المرور، فيحتاج وقتاً لتنظيم هذا السير، وفك هذا الاختناق.
فما بالك بالبلد التي لا سلطان فيها يحكم أمرها فيمنع المظالم وينصف أصحاب الحقوق، وينظم أحوال الناس في معاشهم .. ؟ لا ريب أنها ستكون مسرح فوضى، وفلاة سباع.
ولهذا قال الإمام أمير المؤمنين على بن أبي طالب – رضي الله عنه - : (( لا يصلح الناس إلا أمير بر، أو فاجر ))
قالوا : يا أمير المؤمنين هذا البر، فكيف الفاجر ؟ !
قال : (( إن الفاجر يؤمن الله – عز وجل – به السبيل ويجاهد به العدو ويجيء به الفيء، وتقام به الحدود، ويحج به البيت ويعبد الله فيه المسلم آمنا حتى يأتيه أجله )).
أخرجه وكيع في (( أخبار القضاة )) (93) والبيهقي في (( الشعب )) (94).
فتأمل – أيها المسلم – هذا الكلام الصادر عن علم من أعلام الإسلام، وأحد الخلفاء الراشدين الكرام، الذي عاني في فترة خلافته من تفرق المؤمنين، والاختلاف بينهم في أمر الدنيا والدين، فكلامه هذا من شرع الله – تعالي – فبه يجب الأخذ والتسليم، ثم هو خلاصة تجربة من بلغ أعلى مراتب السياسة، وأجل مقامات الولاية، فعض على حديثه الرائق بالأسنان، وإياك ثم وإياك من نزعات الشيطان.
ولما وقعت فتنة القول بخلق القرآن في عهد المأمون – وكان فيها ما كان – أنطلق الإمام أحمد بن حنبل من القاعدة الشرعية والتجربة المرعية، فقال _ رحمه الله تعالي – في رواية المروذي عنه :
(( لابد للمسلمين من حاكم، أتذهب حقوق الناس ؟ !
وقال – أيضاً - :
(( والفتنة إذا لم يكن إمام يقوم بأمر الناس )).
أخرجه الخلال في (( السنة (95)
وهكذا كل عالم بل كل عاقل من بني آدم لا يخرج إلا بهذه النتيجة ولا يعقد قلبه إلا على هذه العقيدة.
2- كل بني آدم لا تتم مصلحتهم – لا في الدنيا ولا في الآخرة – إلا بالاجتماع والتعاون، والتناصر، فالتعاون على جلب منافعهم، والتناصر لدفع مضارهم.
ولهذا يقال : الإنسان مدني بالطبع.
فإذا اجتمعوا، فلابد لهم من أمور يفعلونها، يجتلبون بها المصلحة، وأمور يجتنبونها لما فيها من المفسدة، ويكونون مطيعين للآمر بتلك المقاصد، والناهي عن تلك المفاسد.
فجميع بني آدم لابد له من طاعة آمر وناه ... إلخ. ا هـ من كلام شيخ الإسلام ابن تيمية في الحسبة )) (96)

ثالثاً ً مقاصد الإمامة :

جماع مقاصد الإمامة والولاية على المسلمين : الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، كما قال المولي – عز وجل - : ( الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ المُنكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الأُمُورِ ( (97)
وقال – عز وجل - : ( وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً يَعْبُدُونَنِي لاَ يُشْرِكُونَ بِي شَيْئاً وَمَن كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الفَاسِقُونَ ((98)
قال شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله تعالي - : (99)
(( المقصود والواجب بالولايات إصلاح دين الخلق الذي متى فاتهم خسروا خسراناً مبينا، ولم ينفعهم ما نعموا به في الدنيا ،وإصلاح ما لا يقوم الدين إلا به من أمر دنياهم )) ا هـ.
فأفاد – رحمه الله – أن مقاصد الإمامية، تتمثل في مقصدين عظيمين :
الأول : القيام بدين الله – عز وجل -.
والثاني : القيام بما يصلح الدنيا وفق ما جاء به الشرع المطهر وأباحه.
فرجع الأمر كله في سياسة الأمة إلي الله وحده ( إِنِ الحُكْمُ إِلاَّ لِلَّهِ .... (، فدين الله الإسلام الذي بعث به نبينا محمد ( هو خاتم الأديان، وأكملها، جاء لتنظيم مصالح الناس في الدين والدنيا قال تعالي ( مَّا فَرَّطْنَا فِي الكِتَابِ مِن شَيْءٍ ( (100)
وقال ( وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الكِتَابَ تِبْيَاناً لِّكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ ( (101)
فمن زعم أن هذا الدين العظيم فرط في بعض ما يحتاجه الناس في أمر الدين، أو السياسة الدنيا، فقد رد على الله عز وجل خبره، فخاب وخسر خسراناً مبيناً.
يقول الإمام الشافعي – رحمه الله تعالي - :
(( لا سياسة إلا ما وافق الشرع )) (102)
وعبارة الشافعي – هذه – صريحة في أن السياسة العادلة المحمود صاحبها هي الموافقة لشرع الله، الذي جاء به قرآن يتلى أو سنة تهدي، أو إجماع أو قياس معتبران في الشرع المطهر، وذلك حق، إذ في هذه الأدلة الأربعة من بيان الأحكام للأمور المستقرة والمستجدة من نوازل كل عصر، ما يكفي لكون هذه الشريعة صالحة لكل زمان ومكان إلي قيام الساعة.
ومن هذا البيان يتضح أن تقسيم الناس الحكم إلي شريعة وسياسة تقسيم باطل ! وضح هذه العالمة ابن قيم الجوزية – رحمه الله تعالي -، فقال في معرض رده على من زعم ذلك : والسياسة نوعان : سياسة عادلة، فهي جزء من الشريعة وقسم من أقسامها لا قسيماتها.
وسياسة باطلة، مضادة للشريعة مضادة الظلم للعدل ...))
إلي أن قال (( فهذا الفصل هو فرق ما بين ورثة الأنبياء وغيرهم، وأصله مبني على حرف واحد وهو عموم رسالته ( بالسنة إلي كل ما يحتاج إليه العباد في معارفهم وعلومهم، التي بها صلاحهم في معاشهم ومعادهم ،وأنه لا حاجة إلي أحد سواه البتة وإنما حاجتنا إلي من يبلغنا عنه ما جاء به.
فمن لم يستقر هذا في قلبه، لم يرسخ قدمه في الإيمان بالرسول.
بل يجب الإيمان بعموم رسالته في ذلك ن كما يجب الإيمان بعموم رسالته بالنسبة إلي المكلفين فكما لا يخرج أحد من الناس عن رسالته البتة كذلك لا يخرج حق من العلم والعمل عما جاء به، فما جاء به هو الكافي الذي لا حاجة بالأمة إلي سواه، وإنما يحتاج إلي غيره من قل نصيبه من معرفته وفهمه فبحسب قلة نصيبه من ذلك تكون حاجته، وإلا فقد توفي رسول الله ( وما من طائر يقلب جناحيه في السماء إلا وقد ذكر للأمة منه علماًء علمهم كل شيء حتى آداب التخلي وآداب الجماع والنوم والقيام والقعود والأكل والشرب والركوب والنزول ووصف لهم العرش والكرسي ،والملائكة والجنة والنار ويوم القيامة وما فيه حتى أنه رأي عين، وعرفهم بربهم ومعبودهم أتم تعريف حتى كأنهم يرونه بما وصفه لهم به من صفات كماله ،ونعوت جلاله وعرفهم الأنبياء وأممهم، وما جري لهم معهم حتى كأنهم كانوا بينهم، وعرفهم من أحوال طرق الخير والشر – دقيقها وجليلها – ما لم يعرفه نبي لأمته قبله وعرفهم من أحوال الموت وما يكون بعده من البرزخ وما يحصل فيه من النعيم والعذاب للروح والبدن ما جلي لهم ذلك حتى كأنهم عاينوه.
وكذلك عرفهم من أدلة التوحيد والنبوة والمعاد والرد على جميع طوائف أهل الكفر والضلال، ما ليس لمن عرفه حاجة إلي كلام أحد من الناس البتة، وكذلك عرفهم من مكايد الحروب ولقاء العدو وطرق الظفر به ما لو علموه وفعلوه، لم يقم لهم عدو أبداً.
وكذلك عرفهم من مكايد إبليس وطرقه التي يأتيهم منها ويحترزون بها من كيده ومكره، وما يدفعون به شره ما لا يزيد عليه.
وبذلك أرشدهم في معاشهم إلي ما لو فعلوه لاستقامت لهم دنياهم أعظم استقامة.
وبالجملة فقد جاءهم رسول الله ( بخير الدنيا والآخرة بحذافيره ولم يجعل الله بهم حاجة إلي أحد سواه، ولهذا ختم الله به ديوان النبوة، فلم يجعل بعده رسولاً، لاستغناء الأمة به عمن سواه، فكيف يظن أن شريعته الكاملة المكملة محتاجة إلي سياسة خارجة عنها ؟ ! أو إلي حقيقة خارجة عنها ؟ ! أو إلي قياس خارج عنها ؟ ! أو إلي معقول خارج عنها ؟ ! فمن ظن ذلك، فهو كمن ظن أن بالناس حاجة إلي رسول آخر بعده وسبب هذا كله خفاء ما جاء به على من ظن ذلك :
قال – تعالي - ( أَوَ لَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّا أَنزَلْنَا عَلَيْكَ الكِتَابَ يُتْلَى عَلَيْهِمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَرَحْمَةً وَذِكْرَى لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (
وقال – تعالي : ( وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الكِتَابَ تِبْيَاناً لِّكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ (
وقال – تعالي - : ( إِنَّ هَذَا القُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ (
وقال – تعالي - : ( يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَتْكُم مَّوْعِظَةٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَشِفَاءٌ لِّمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِينَ (
وكيف يشفي ما في الصدور كتاب لا يفي بعشر معشار ما في الناس محتاجون إليه - على زعمهم الباطل - ؟!
ويا لله العجب ! كيف كان الصحابة والتابعون قبل وضع هذه القوانين، واستخراج هذه الآراء والمقاييس والأقوال ؟ أهل كانوا مهتدين بالنصوص ؟ أم كانوا على خلاف ذلك حتى جاء المتأخرون أعلم منهم وأهدى منهم ؟ ! هذا ما لا يظنه من به رمق من عقل أو حياء نعوذ بالله من الخذلان.
ولكن من أوتي فهماً في الكتاب أو أحاديث الرسول ( أستغني بهما عن غيرهما بحسب ما أوتيه من الفهم وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء، والله ذو الفضل العظيم.
وهذا الفصل لو بسط كما ينبغي لقام منه عدة أسفار، ولكن هذه لفظات تشير إلي ما وراءها. ا هـ كلام ابن القيم – رحمه الله تعالي – من (( بدائع الفوائد )) (103)
وقد بين العلماء كثير من المقاصد الأساسية للإمامة في الشريعة الإسلامية ما بين مطول ومختصر، وألف صديق حسن خان ( المتوفى سنة 1307 هـ ) كتاباً بعنوان (( إكليل الكرامة في تبيان مقاصد الإمامة )).
ولما رأيت العلامة ابن جماعة الكتاني – رحمه الله تعالي – قد استوفي جل هذه المقاصد وعبر عنها بالحقوق الواجبة على السلطان، آثرت سياقها كما ذكرها، حيث ذكر الحقوق التي للسلطان والحقوق التي عليه، وهذا مسردها (104)
(( للسلطان أو للخليفة على الأمة عشرة حقوق، ولهم عليه عشرة حقوق ))
أما حقوق السلطان العشرة :
فالحق الأول :
بذل الطاعة له ظاهراً وباطناً في كل ما يأمر به أو ينهي عنه إلا أن يكون معصية، قال الله – تعالي - ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ ( .
وأولو الأمر هم : الإمام ونوابه – عند الأكثرين –
وقيل : هم العلماء (105)
وقال النبي ( : (( السمع والطاعة على المسلم فيما أحب – أو كره – ما لم يؤمر بمعصية )) .
فقد أوجب الله – تعالي – ورسوله : طاعة أولي الأمر ولم يستثن منه سوي المعصية فبقي ما عداه على الامتثال .
الحق الثاني :
بذل النصيحة له سراً وعلانية .
قال رسول الله ( : (( الدين النصيحة ))، قالوا : لمن ؟ قال : (( لله، ولرسوله، ولكتابه ولأئمته المسلمين، وعامتهم )).
الحق الثالث :
القيام بنصرتهم باطناً وظاهراً ببذل المجهود في ذلك لما فيه نصر المسلمين وإقامة حرمة الدين وكف أيدي المعتدين.
الحق الرابع :
أن يعرف له حقه وما يجب من تعظيم قدره، فيعامل بما يجب له من الاحترام والإكرام، وما جعل الله – تعالي – له من الأعظام، ولذلك كان العلماء الأعلام من أئمة الإسلام يعظمون حرمتهم، ويلبون دعوتهم مع زهدهم وورعهم، وعدم الطمع فيما لديهم وما يفعله بعض المنتسبين إلي الزهد من قلة الأدب معهم، فليس من السنة.
الحق الخامس
إيقاظه عند غفلته ،وإرشاده عند هفوته، شفقة عليه، وحفظاً لدينه وعرضه، وصيانة لما جعله الله إليه من الخطأ فيه
الحق السادس :
تحذيره من عدو يقصده بسوء، وحاسد يرومه بأذى أو خارجي يخاف عليه منه، ومن كل شيء يخاف عليه منه – على اختلاف أنواع ذلك وأجناسه – ن فإن ذلك من أكد حقوقه وأوجبها .
الحق السابع :
إعلامه بسيرة عماله الذين هو مطالب بهم ومشغول الذمة بسببهم، لينظر لنفسه في خلاص ذمته، وللأمة في مصالح ملكه ورعيته.
الحق الثامن :
إعانته على ما تحمله من أعباء الأمة ومساعدته على ذلك بقدر المكنة، قال الله – تعالي - ( وَتَعَاوَنُوا عَلَى البِرِّ وَالتَّقْوَى (، وأحق من أعين على ذلك ولاة الأمور.
الحق التاسع :
رد القلوب النافرة عنه إليه وجمع محبة الناس عليه لما في ذلك من مصالح الأمة وانتظام أمور الملة .
الحق العاشر :
الذب عنه بالقول والفعل وبالمال والنفس والأهل، في الظاهر والباطن والسر والعلانية .
وإذا وفت الرعية بهذه الحقوق العشرة الواجبة، وأحسنت القيام بمجامعها، والمراعاة لمواقعها، صفت القلوب وأخلصت واجتمعت الكلمة وانتصرت.
وأما حقوق الرعية العشرة على السلطان
فالأول :
حماية بيضة الإسلام والذب عنها إما في كل إقليم – إن كان خليفة – أو في القطر المختص به إن كان مفوضاً إليه، فيقوم بجهاد المشركين، ودفع المحاربين والباغين وتدبير الجيوش و تجنيد الجنود وتحصين الثغور بالعدة المانعة، والعدة الدافعة، وبالنظر في ترتيب الأجناد في الجهات على حسب الحاجات وتقدير إقطاعهم، وأرزاقهم، وصلاح أحوالهم.
الحق الثاني :
حفظ الدين على أصوله المقررة وقواعده المحررة، ورد البدع والمبتدعين، وإيضاح حجج الدين، ونشر العلوم الشرعية، وتعظيم العلم وأهله، ورفع مناره ومحله، ومخالطة العلماء الأعلام، النصحاء لدين الإسلام ومشاورتهم في موارد الأحكام، ومصادر النقض والإبرام.
قال الله – تعالي – لنبيه ( (وشاورهم في الأمر (
قال الحسن : (( كان – والله – غنياً عن المشاورة ولكن أراد أن يستن لهم )).
الحق الثالث :
إقامة شعائر الإسلام كفروض الصلوات والجمع والجماعات والأذان والإقامة ،والخطابة، والإقامة، ومنه النظر في أمر الصيام والفطر وأهلته، وحج البيت الحرام وعمرته.
ومنه : الاعتناء بالأعياد وتيسير الحجيج من نواحي البلاد ،وإصلاح طرقها وأمنها في مسيرهم وانتخاب من ينظر أمورهم.
الحق الرابع :
فصل القضايا والأحكام بتقليد الولاة والحكام لقطع المنازعات بين الخصوم ،وكف المظالم عن المظلوم ولا يولي ذلك إلا من يثق بديانته وصيانته من العلماء والصلحاء، والكفاة ليعلم حال الولاة مع الرعية فإن مسئول عنهم ن مطالب بالجناية منهم.
قال رسول الله ( : (0 كل راع مسئول عن رعيته ))
الحق الخامس :
إقامة فرض الجهاد بنفسه وبجيوشه أو سراياه وبعوثه، وأقل ما يجب في كل سنة مرة، إن كان بالمسلمين قوة فإن دعت الحاجة إلي أكثر منه، وجب بقدر الحاجة ولا يخلي سنة من جهاد إلا لعذر، كضعف بالمسلمين – والعياذ بالله تعالي – واشتغالهم بفكاك أسراهم واستنقاذ بلاد أستولي الكفار عليها.
ويبدأ بقتال من يليه من الكفار إلا إذا قصده الأبعد فيبدأ بقتاله لدفعه.
الحق السادس :
إقامة الحدود الشرعية على الشروط المرعية، صيانة لمحارم الله عن التجرؤ عليها، ولحقوق العباد عن التخطي إليها ويسوى في الحدود بين القوي والضعيف والوضيع والشريف، قال رسول الله ( :
(( إنما أهلك من كان قبلكم : أنهم كانوا يقيمون الحدود على الوضيع ويتركون الشريف، وايم الله لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطع محمد يدها )).
الحق السابع :
جباية الزكوات والجزية من أهلها، وأموال الفيء والخراج عند محلها وصرف ذلك في مصارفه الشرعية وجهاته المرضية، وضبط جهات ذلك إلي الثقات من العمال.
الحق الثامن :
النظر في أوقاف البر والقربات وصرفها فيما هي له من الجهات وعمارة القناطر وتسهيل سبل الخيرات.
الحق التاسع :
النظر في قسم الغنائم وتقسيمها، وصرف أخماسها إلي مستحقيها.
الحق العاشر :
العدل في سلطانه وسلوك موارده في جميع شأنه، قال – تعالي - : ( أن الله يأمر بالعدل والإحسان. (
وقال – تعالى - : ( وإذا قلتم فاعدلوا (
وفي كلام الحكمة : عدل الملك حياة الرعية وروح المملكة، فما بقاء جسد لا روح فيه ؟ !
فيجب على من حكمه الله – تعالي – في عباده وملكه شيئاً من بلاده ن أن يجعل العدل اصل اعتماده ن وقاعدة استناده، لما فيه من مصالح العباد، وعمارة البلاد، ولأن نعم الله يجب شكرها، وأن يكون الشكر على قدرها، ونعمة الله على السلطان فوق كل نعمة، فيجب أن يكون شكره أعظم من كل شكر
وأفض ما يشكر به السلطان لله – تعالي - : إقامة العدل فيما حكمه فيه.
وقد اتفقت شرائع الأنبياء ن وآراء الحكماء والعقلاء، أن العدل سبب لنمو البركات ومزيد الخيرات ،وأن الظلم والجور سبب لخراب الممالك واقتحام المهالك ولا شك عندهم في ذلك ... )) ا هـ


78 ) ينظر (( الصواعق المحرقة على أهل الرفض والضلال والزندقة )) للهيتمي ( 1/25 )
79 ) ( ص 5 )
80 ) (( سير أعلام النبلاء )9 ( 9/402 ).
81 ) (1/264 )
82 ) النساء:59
83 ) تقدم ص 20
84 ) ( 3/81 )
85 ) (( إرواء الغليل )) ( 8/106 )
86 ) ( 2/177 )
87 ) ( 8/63-64 )
88 ) ( 3/81 )
89 ) (( مسند الفاروق )) ( 2/651 )
90 ) (( العلل )) ( 2/151 )، وينظر : (( ميزان الاعتدال )) ( 3/378 ) للذهبي.
91 ) (( الحسبة )) ( ص 11 )
92 ) (( الأحكام السلطانية )) ( ص 19 )
93 ) (1/21 )
94 ) ( 13/187 )
95 ) ( 1/81 )
96 ) ( ص 2 ) .
97 ) الحج : 41
98 ) النور : 55
99 ) (( مجموع الفتاوى )) ( 28/262 )
100 ) سورة الأنعام : 38
101 ) النحل : 89.
102 ) نقلها ابن عقيل الحنبلي وفسرها كما في (0 بدائع الفوائد )) لابن القيم ( 3/152 ) .
103 ) (3/155-156) .
104 ) تحرير الأحكام في تدبير أهل الإسلام )) ( ص 61-71 )، وانظر حقوق الرعية في (( الأحكام السلطانية )) لأبي يعلى ( ص 19 ) حيث قال : (( ويلزم الإمام من أمور الأمة عشرة أشياء )).
105 ) تحرير الأحكام في تدبير أهل الإسلام )) ( ص 61-71 )، وانظر حقوق الرعية في (( الأحكام السلطانية )) لأبي يعلى ( ص 19 ) حيث قال : (( ويلزم الإمام من أمور الأمة عشرة أشياء )).



الفصل الرابع: في وجوب السمع والطاعة في غير معصية

السمع والطاعة لولاة الأمر من المسلمين – في غير معصية – مجمع على وجوبه عند أهل السنة والجماعة وهو أصل من أصولهم التي باينوا بها أهل البدع والأهواء .
وقل أن تري مؤلفاً في عقائد أهل السنة إلا وهو ينص على وجوب السمع والطاعة لولاة الأمر وإن جاروا وظلموا، وإن فسقوا وفجروا.
وقد نقل الإجماع على ذلك حرب الكرماني – صاحب الإمام أحمد – حيث قال في (( العقيدة ))التي نقلها عن جميع السلف :
(( والانقياد لمن ولاه الله – عز وجل – أمركم، لا تنزع يداً من طاعته، ولا تخرج عليه، حتى يجعل الله لك فرجاً ومخرجا، ولا تخرج على السلطان ،وتسمع وتطيع، ولا تنكث بيعته، فمن فعل ذلك، فهو مبتدع مخالف للجماعة )) (106)
يقول الحسن البصري – رحمه الله - : (( هؤلاء – يعني الملوك –وإن رقصت بهم المهاليج (107) ووطئ الناس أعقابهم، فإن ذل المعصية في قلوبهم، إلا أن الحق ألزمنا طاعتهم، ومنعنا من الخروج عليهم، وأمرنا أن نستدفع بالتوبة والدعاء مضرتهم، فمن أراد به خيراً لزم ذلك، وعمل به ،ولم يخالفه )) (108)
وقد بين العلامة صدر الدين السلمي في رسالته : (( طاعة السلطان )) (109) الحكمة من تأكيد الشارع على وجوب السمع والطاعة للأئمة في غير معصية وتحذيره الشديد من مخالفة أمرهم كذلك فقال – رحمه الله تعالي - :
(( وقد روينا في الأحاديث الصحاح التي بلغت حد التواتر – أو كادت أن تبلغه - : أمر النبي ً بالسمع والطاعة لولى الأمر ومناصحته ومحبته والدعاء له : ما لو ذكرناه لطال الكلام لكن اعلم – أرشدك الله وإياي إلي الإتباع، وجنبنا الزيغ والابتداع - : أن من قواعد الشريعة المطهرة والملة الحنيفة المحررة : أن طاعة الأئمة فرض على كل الرعية ،وأن طاعة السلطان مقرونة بطاعة الرحمن ،وأن طاعة السلطان تؤلف شمل الدين وتنظم أمر المسلمين.
وأن عصيان السلطان يهدم أركان الملة ,أن أرفع منازل السعادة طاعة السلطان، وأن طاعة السلطان عصمة من كل فتنة ونجاة من كل شبهة، وأن طاعة السلطان عصمة لمن لجأ إليها وحرز لمن دخل فيها، وبطاعة السلاطين تقام الحدود وتؤدي الفرائض وتحقن الدماء وتأمن السبل، وما أحسن ما قالت العلماء : أن طاعة السلطان هدي لمن استضاء بنورها، وموئل لمن حافظ عليها.
وأن الخارج من طاعة السلطان منقطع العصمة من الذمة وأن طاعة السلطان حبل الله المتين ودينه القويم، وجنته الواقية، وأن الخروج منها خروج من أنس الطاعة إلي وحشة المعصية ،ومن أسر غش السلطان ذل وزل ، ومن أخلص له المحبة والنصح حل من الدين والدنيا في أرفع محل.
وقد روينا في الأحاديث الصحاح أمر النبي ( بالسمع والطاعة لولي الأمر ومناصحته و محبته والدعاء له ما لو ذكرناه لكان بما حله الناظر وسأمه الخاطر، كما تقدم فاقتصرنا على ما أوردناه واكتفينا بما بيناه )). ا هـ.
وكل ما ذكره – رحمه الله تعالي – حق ما دام السلطان لم يأمر بمعصية الله – تعالي -، فإن أمر بمعصية الله – تعالي – فقد حرمت طاعته في المعصية وفي ذلك مصالح الدين والدنيا لأن ذلك تقديم لطاعة الملك الديان وعصيان لأولياء الشيطان ( أن كيد الشيطان كان ضعيفاً ( .
والإجماع الذي أنعقد عند أهل السنة والجماعة على وجوب السمع والطاعة لهم مبني على النصوص الشرعية الواضحة التي تواترت بذلك، ونحن نذكر طرفاً منها يحصل به المقصود، ويتضح به الحق – إن شاء الله تعالي - :
الدليل الأول :
قول الله – تعالى - : ( فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً ( (110)
قال ابن عطية في تفسير هذه الآية :
(( لما تقدم إلي الولاة في الآية المتقدمة – يشير إلي قوله : ( إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تُؤَدُّوا الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُم بَيْنَ النَّاسِ أَن تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ إِنَّ اللَّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُم بِهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ سَمِيعاً بَصِيراً ( تقدم في هذه إلي الرعية فأمر بطاعته – عز وجل -، وهي امتثال أوامره ونواهيه وطاعة رسوله وطاعة الأمراء على قول الجمهور، أبي هريرة وابن عباس وابن زيد وغيرهم ... )) (111) ا هـ.
قال النووي – رحمه الله تعالي - :
(( المراد بأولي الأمر من أوجب الله طاعته من الولاة والأمراء هذا قول جماهير السلف والخلف من المفسرين من الولاة والأمراء، هذا قول جماهير السلف والخلف من المفسرين والفقهاء وغيرهم، وقيل : هم العلماء ،وقيل : هم الأمراء والعلماء ... )) (112) ا هـ
واختلف أهل العلم – رحمهم الله تعالي – في ( أولي الأمر ( الذين أمر الله عباده بطاعتهم في هذه الآية :
فذهب جماهير أهلا لعلم – كما تقدم – إلي أنها في الأمراء وذهب بعض أهل العلم إلي أنها في أهل العلم والفقه
وقال آخرون : هي عامة تشمل الصنفين.
قال ابن جرير الطبري – رحمه الله تعالي – في تفسيره (113)
(( وأولي الأقوال في ذلك بالصواب قول من قال : هم الأمراء والولاة، لصحة الأخبار عن رسول الله ( بالأمر بطاعة الأئمة والولاة فيما كان طاعة، وللمسلمين مصلحة .... )) إلي أن قال :
(( فإذا كان معلوماً أنه لا طاعة واجبة لأحد غير الله أو رسوله أو إمام عادل، وكان الله قد أمر بقوله ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ ( بطاعة ذي أمرنا كان معلوماً أن الذين أمر بطاعتهم – تعالي ذكره – من ذوي أمرنا هم الأئمة من ولاة المسلمون دون غيرهم من الناس، وإن كان فرضاً القبول من كل من أمر بترك معصية ودعا إلي طاعة الله، وأنه لا طاعة تجب لأحد فيها أمر ونهي فيما لم تقم حجة وجوبه إلا للأئمة الذين ألزم الله عباده طاعتهم فيما أمروا به رعيتهم مما هو مصلحة لعامة الرعية فإن على من أمروا بذلك طاعتهم وكذلك في كل ما لم يكن لله فيه معصية.
وإذا كان ذلك كذلك، كان معلوماًً بذلك صحة ما اخترنا من التأويل دون غيره )). ا هـ
وهذا الذي رجحه ابن جرير هو اختيار البيهقي – رحمه لله – وقد احتج له بحجة أخري، فقال :
(( والحديث الذي ورد في نزول هذه الآية دليل على أنها في الأمراء )) (114) ا هـ .
وقد سبق الجمع إلي ذلك الإمام الشافعي – رحمه الله تعالي – وقرره تقريراً حسناً، كما نقله الحافظ ابن حجر (115) : قال الشافعي :
(( كان من حول مكة من العرب لم يكن يعرف الإمارة وكانت تأنف أن تعطي بعضها بعضاً طاعة الإمارة، فلما دانت لرسول الله ( بالطاعة لم تكن تري ذلك يصلح لغير النبي (، فأمروا أن يطيعوا أولي الأمر )).
والحديث الذي أشار إليه هو ما أخرجه البخاري (116) ومسلم (117) في صحيحيهما )) عن ابن جريح قال :
في عبد الله بن حذافة بن قيس بن عدي السهمي بعثه رسول الله ( في سرية.
أخبرنيه يعلى بن مسلم عن سعيد بن جبير عن ابن عباس ففي هذه الآية وجوب السمع والطاعة لولاة الأمر.
وهذا مطلق يقيد بما ثبت في السنة في أن الطاعة تكون في غير معصية الله تعالي.
(( ولعل هذا هو السر في حذف الفعل عن الأمر بطاعتهم وذكره مع طاعة الرسول، فإن الرسول لا يأمر إلا بطاعة الله ،ومن يطعه فقد أطاع الله، وأما أولو الأمر فشرط الأمر بطاعتهم أن لا يكون في معصية )) (118) .
الدليل الثاني :
أخرج البخاري في(( صحيحه )) – كتاب الأحكام، باب السمع والطاعة للإمام ما لم تكن معصية – ومسلم في (( صحيحه)) كتاب الإمارة (119)، عن عبد الله بن عمر عن النبي (، أنه قال :
(( على المرء المسلم السمع والطاعة فيما أحب وكره، إلا أن يؤمر بمعصية، فإن أُمر بمعصية فلا سمع ولا طاعة )).
قوله (( فيما أحب وكره )) أي فيما وافق غرضه أو خالفه.
قال المباركفوري في (( شرح الترمذي ))
((وفيه : أن الإمام إذا أمر بمندوب أو مباح وجب .
قال المطهر على هذا الحديث :
(( يعني :سمع كلام الحاكم وطاعته واجب على كل مسلم، سواء أمره بما يوافق طبعه أو لم يوافقه، بشرط أن لا يأمره بمعصية فإن أمره بها فلا تجوز طاعته لكن لا يجوز له محاربة الإمام )) (120) ا هـ.
وقوله فلا سمع ولا طاعة يعني : فيما أمر به من المعصية فقط، فإذا أمره أن يرابى أو أن يقتل مسلماً بغير حق فلا يسمع له مطلقاً في كل أوامره، بل يسمع له ويطاع مطلقاً، إلا في المعصية فلا سمع ولا طاعة (121).
قال حرب في (( العقيدة )) التي نقلها عن جميع السلف : (( وإن أمرك السلطان بأمر فيه لله معصية فليس لك أن تطعه البتة وليس لك أن تخرج عليه ولا تمنعه حقه )) ا هـ. (122)
الدليل الثالث :
أخرج الإمام مسلم في (( صحيحه )) – كتاب الإمارة (123) - عن أبي هريرة – رضي الله عنه -، قال :
قال رسول الله ( : (( عليك السمع والطاعة، في عسرك ويسرك، ومنشطك ومكرهك، وأثره عليك ))
قوله : (( منشطك ) مفعل من النشاط، أي : في حالة نشاطك. وكذلك قوله : (( ومكرهك )) أي : حالة كراهتك.
والمراد : في حالتي الرضي والسخط والعسر واليسر والخير والشر. قاله ابن الأثير (124)
قال العلماء – كما حكي النووي - :
(( معناه تجب طاعة ولاة الأمور فيما يشق وتكرهه النفوس وغيه مما ليس بمعصية، فإن كانت معصية فلا سمع ولا طاعة ))
قال : (( والأثرة : الاستئثار والاختصاص بأمور الدنيا عليكم.
أي : أسمعوا وأطيعوا وأن أختص الأمراء بالدنيا، ولم يوصلوكم حقكم مما عندهم )) (125) ا هـ.
الدليل الرابع :
أخرج مسلم في (( صحيحه )) (126) – وبوب عليه النووي فقال - : باب في طاعة الأمراء وأن منعوا الحقوق، عن علقمة بن وائل الحضرمي عن أبيه قال :
سأل سلمة بن يزيد الجعفي رسول الله ( فقال يا نبي الله ! أرأيت أ، قامت علينا أمراء يسألونا حقهم ويمنعونا حقنا فما تأمرنا ؟ فأعرض عنه ثم سأله ؟ فأعرض عنه، ثم سأله في الثانية – أو في الثالثة - ؟ فجذبه الأشعث بن قيس، وقال :
(( أسمعوا وأطيعوا فإنما عليهم ما حملوا وعليكم ما حملتم ))
وفي رواية لمسلم – أيضاً : فجذبه الأشعث بن قيس، فقال رسول الله ( :
(( أسمعوا وأطيعوا فإنما عليهم ما حملوا وعليكم ما حملتم ))
والمعني : أن الله – تعالي- حمل الولاة وأوجب عليهم العدل بين الناس فإذا لم يقيموه أثموا، وحمل الرعية السمع والطاعة لهم، فإن قاموا بذلك أثيبوا عليه، وإلا أثموا.
الدليل الخامس :
أخرج مسلم في (( صحيحه )) (127) عن حذيفة بن اليمان – رضي الله عنهما – قال :
قلت : يا رسول الله ! إنا كنا بشر فجاء الله بخير فنحن فيه فهل من وراء هذا الخير شر ؟ قال ((نعم ))، قلت : هل وراء ذلك الشر خير ؟ قال (( نعم )) قلت فهل وراء الخير شر ؟ قال : (( نعم )) قلت : كيف ؟ قال (( يكون بعدي أئمة لا يهتدون بهداي، ولا يستنون بسنتي، وسيقوم فيهم رجال قلوبهم قلوب الشياطين في جثمان إنس ))
قال : قلت : كيف أصنع يا رسول الله – أن أدركت ذلك ؟
قال : (( تسمع وتطيع للأمير وإن ضرب ظهرك وأخذ مالك فاسمع وأطع )).
وهذا الحديث من أبلغ الأحاديث التي جاءت في هذا الباب إذ قد وصف النبي ( هؤلاء الأئمة بأنهم لا يهتدون بهديه ولا يستنون بسنته وذلك غاية الضلال والفساد ونهاية الزيغ والعناد فهم لا يهتدون بهديه ولا يستنون بسنته، وذلك غاية الضلال والفساد ونهاية الزيغ والعناد، فهم لا يهتدون بالهدي النبوي في أنفسهم ولا في أهليهم ولا في رعاياهم ... ومع ذلك فقد أمر النبي ( بطاعتهم – في غير معصية الله – كما جاء مقيداً في حديث آخر – حتى لو بلغ الأمر إلي ضربك وأخذ مالك، فلا يحملنك ذ لك على ترك طاعتهم وعدم سماع أوامرهم، فإن هذا الجرم عليهم وسيحاسبون ويجازون به يوم القيامة.
فإن قادك الهوى إلي مخالفة هذا الأمر الحكيم والشرع المستقيم، فلم تسمع ولم تطيع لأميرك لحقك الآثم ووقعت في المحظور.
وهذا الأمر النبوي من تمام العدل الذي جاء به الإسلام، فإن هذا المضروب إن لم يسمع ويطع، وذك المضروب إذا لم يسمع ويطع ... أفضي ذلك إلي تعطيل المصالح الدينية والدنيوية فيقع الظلم على جميع الرعية أو أكثرهم، وبذلك يرتفع العدل عن البلاد فتتحقق المفسدة وتلحق بالجميع.
بينما لو ظلم هذا فصبر واحتسب، وسأل الله الفرج، وسمع وأطاع لقامت المصالح ولم تتعطل، ولم يضع حقه عند الله – تعالي -، فربما عوضه خير منه وربما ادخره له في الآخرة.
وهذا من محاسن الشريعة، فإنها لم ترتب السمع والطاعة على عدل الأئمة، ولو كان الأمر كذلك، لكانت الدنيا كلها هرجاً ومرجاً، فالحمد لله على لطفه بعباده.
الدليل السادس :
أخرج مسل في (( صحيحه )) (128) عن عوف بن مالك عن رسول الله (، قال :
(( خيار أئمتكم الذين تحبونهم ويحبونكم، ويصلون عليكم وتصلون عليهم وشرار أئمتكم الذين تبغضونهم ويبغضونكم وتلعنونهم ويلعنونكم ))
قيل : يا رسول الله ! أفلا ننابذهم بالسيف ؟ فقال :
( لا، ما أقاموا فيكم الصلاة، وإذا رأيتم من ولاتكم شيئاً تكرهونه فاكرهوا عمله، ولا تنزعوا يداً من طاعة )
وفي لفظ أخر له :
(( ألا من ولي عليه وال فرآه يأتي شيئاً من معصية الله فليكره ما يأتي من معصية الله، ولا ينزعن يداً من طاعة ))
الدليل السابع :
أخرج البخاري ومسلم في (( صحيحيهما )) (129) عن أبي هريرة رضي الله عنه -، قال : قال رسول الله ( :
(( من أطاعني، فقد أطاع الله، ومن عصاني فقد عصي الله، ومن أطاع أميري، فقد أطاعني، ومن عصي أميري فقد عصاني ))
وفي لفظ لمسلم : (( ومن يطع الأمير فقد أطاعني، ومن يعصى الأمير، فقد عصاني ))
وقد بوب البخاري – رحمه الله – على هذا الحديث في كتاب الأحكام من (( صحيحه ))، فقال : باب قول الله – تعالي – ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ ( (130)
قال الحافظ ابن حجر – رحمه الله - :
(( وفي الحديث وجوب طاعة ولاة الأمور، وهي مقيدة بغير الأمر بالمعصية، والحكمة في الأمر بطاعتهم : المحافظة على اتفاق الكلمة، لما في الافتراق من الفساد )) ا هـ.
الدليل الثامن :
أخرج البخاري في (0 صحيحه )) – كتاب الأحكام، باب السمع والطاعة – للإمام ما لم تكن معصية -، عن أنس ابن مالك – رضي الله عنه -، قال : قال رسول الله ( :
(( أسمعوا وأطيعوا، وأن أستعمل عليكم عبد حبشي كأن رأسه زبيبة ))
الدليل التاسع :
أخرج البخاري ومسلم في (( صحيحيهما )) (131)، عن عبادة ابن الصامت – رضي الله عنه -، قال :
دعانا رسول الله (، فبايعناه، فكان فيما أخد علينا أن بايعنا على السمع والطاعة في منشطنا ومكرهنا، وعسرنا ويسرنا، وأسره علينا وأن لا ننازع الأمر أهله، قال :
(( إلا أن تروا كفراً بواحاً عندكم من الله فيه برهان ))
هذا لفظ لمسلم.
وقد أخرجه ابن حبان في (( صحيحه )) (132) بلفظ :
(( أسمع وأطع في عسرك ويسرك، ومنشطك ومكرهك وأثره عليك، وإن أكلوا مالك وضربوا ظهرك إلا أن يكون معصية ))
الدليل العاشر :
أخرج ابن أبي عاصم في (( السنة )) (133) بسند جيد، عن معاوية – رضي الله عنه -، عن النبي (، قال :
((أن السامع المطيع لا حجة عليه، وإن السامع العاصي لا حجة له ))
الدليل الحادي عشر :
أخرج ابن أبي عاصم في (( السنة )) (134) أيضاً عن عدي ابن حاتم – رضي الله عنه -، قال : قلنا : يا رسول الله ! لا نسألك عن طاعة من أتقي، ولكن من فعل وفعل – فذكر الشر -، فقال :
(( اتقوا الله واسمعوا وأطيعوا )).
الدليل الثاني عشر :
أخرج ابن زنجوية في كتاب (( الأموال )) (135)، عن أبي هريرة – رضي الله عنه -، عن رسول الله (، قال :
(( ليس السمع والطاعة فيما تحبون، فإذا كرهتم أمراً تركتموه، ولكن السماع والطاعة فيما كرهتم وأحببتم، فالسامع المطيع لا سبيل عليه والسامع العاصي لا حجة له ))
الدليل الثالث عشر :
أخرج ابن حبان في (( صحيحه )) (136)، عن عبد الله ابن الصامت، قال : قدم أبو ذر على عثمان من الشام، فقال :
يا أمير المؤمنين ! أفتح الباب حتى يدخل الناس، أتحسبني من قوم يقرأ ون القرآن لا يجاوز حناجرهم، يمرقون من الدين مروق السهم من الرمية، ثم لا يعدون فيه، حتى يعود السهم على فوقه، وهم شر الخلق والخليقة.
والذي نفسي بيده لو أمرتني أن أقعد لما قمت ،ولو أمرتني أن أكون قائماً لقمت ما أمكنني رجلاي، ولو ربطتني على بعير لم أطلق نفسي حتى تكون أنت الذي تطلقني .
ثم أستأذنه يأتي الربذة، فأذن له ،فأتاها ،فإذا عبد يؤمهم فقالوا :أبو ذر فنكص العبد، فقيل له : تقدم، فقال : أوصاني خليلي ( بثلاث :
((أن أسمع وأطيع، ولو لعبد حبشي مجدع الأطراف ...))الحديث .
الدليل الرابع عشر :
أخرج ابن أبي عاصم في (( السنة )) (137)، عن المقدام بن معدي كرب ،أن رسول الله ( قال :
(( أطيعوا أمراءكم مهما كان فإن أمروكم بشيء مما لم آتكم به فهو عليهم، وأنتم منه براء ،وأن أمروكم بشيء مما جئتكم به، فإنهم يؤجرون عليه وتؤجرون عليه، وذلك بأنكم إذا لقيتم ربكم قلتم : ربنا لا ظلم، فيقولون : ربنا أرسلت إلينا رسلاً، فأطعناهم ،واستخلفت علينا خلفاء فأطعناهم وأمرت علينا أمراء فأطعناهم، فيقول : صدقتم، وهو عليهم، وأنتم منه براء )).
الدليل الخامس عشر :
أخرج ابن أبي عاصم في (( السنة )) (138) عن أبي امامة الباهلي، قال : سمعت رسول الله ( يقول :
(( أنه لا نبي بعدي ولا أمة بعدكم، ألا فاعبدوا ربكم وصلوا خمسكم ،وصوموا شهركم، وأد رأوا زكاة أموالكم، طيبة بها نفوسكم وأطيعوا أمرائكم، تدخلوا جنة ربكم )). إسناده صحيح.
الدليل السادس عشر :
أخرج ابن سعيد (139) أن زيد بن وهب قال : لما بعث عثمان إلي ابن مسعود يأمره بالقدوم إلي المدينة، أجتمع الناس فقالوا : أقم ونحن نمنعك أن يصل إليك شيء تكرهه، فقال :
(( أن له على حق طاعة، ولا أحب أن أكون أول من فتح باب الفتن ))
فتأمل فعل ابن مسعود هنا وفعل أبي ذر المتقدم مع أمير المؤمنين عثمان – رضي الله عن الجميع – يظهر لك ما كان عليه جماعة السلف من التسليم المطلق لأمر الشارع ( وتقديم قوله على ما تهوي النفس.
وإن الإثارة على الولاية القائمة فتح باب شر على الأمة.
قال أئمة الدعوة – رحمهم الله تعالي – عند إيرادهم لطائفة من الأحاديث النبوية في هذا الباب :
(( إذا فهم ما تقدم من النصوص القرآنية والأحاديث النبوية وكلام العلماء المحققين في وجوب السمع والطاعة لولي الأمر وتحريم منازعته والخروج عليه، وأن المصالح الدينية والدنيوية لا انتظام لها إلا بالإمامة والجماعة، تبين :
أن الخروج عن طاعة ولي الأمر والافتيات عليه بغزو أو غيره معصية ومشاقة لله ورسوله ومخالفة لما عليه أهل السنة والجماعة )) (140)
وقال شيخ الإسلام – رحمه الله - :
((وأما أهل العلم والدين والفضل فلا يرخصون لأحد فيما نهي الله عنه من معصية ولاة الأمور وغشهم ،والخروج عليهم – بوجه من الوجوه -، كما قد عرف من عادات أهل السنة والدين قديماً وحديثاً، ومن سيرة غيرهم )) (141)


106 ) نقلها ابن القيم في (( حادي الأرواح )) ( ص 399 – 406 )، وينظر ( ص 91 )
107 ) فارسي معرب، والمهاليج : نوع من الدروب.
108 ) كتاب (( آداب الحسن البصري )) لابن الجوزي : ( ص 121 ).
109 ) ( ص 45 ) .
110 ) سورة النساء الآية :59
111 ) (( المحرر الوجيز )) : ( 4/158 ) ط. المغرب.
112 ) (( شرح النووي على مسلم )) : ( 12/223 ) .
113 ) ( 5/150) ط 3. الحلبي .
114 ) (( الجامع لشعب الإيمان )) للبيهقي : ( 13/41 )
115 ) (( العجاب في بيان الأسباب )) ( 2/898 ).
116 ) ( 5/180)
117 ) ( 3/1465 )
118 (( تفسير السعدي)): ( 2/89 )، ط. السعدية.
119 ) البخاري : ( 13/121 )، ومسلم : ( 3/1469 )
120 ) (( تحفة الأحوذي )) : ( 5/365 ). ط. السلفية بالمدينة.
121 ) ينظر : (( تهذيب الرياسة وترتيب السياسة )) للقلعي : ( ص 113-114 ) .
122 ) ينظر (( حادي الأرواح )) لابن القيم ( ص 401 ).
123 ) ( 3/1467 ) .
124 ) (( جامع الأصول )9 : ( 4/66 ) .
125 ) (( شرح مسلم )) : ( 12/225 ).
126 ) ( 3/1474 )
127 ) ( 3/1476 ) .
128 ) ( 3/1467 ) .
129 ) البخاري ( 13/111 ) ) .ومسلم ( 3/1466 )
130 ) سورة التنساء : آية : 59
131 ) البخاري، الأحكام باب كيف يبايع الإمام الناس ؟ ( 13/192 )، ومسلم ( 3/1470 )
132 ) (( الإحسان في تقريب صحيح ابن حبان )) ( 10/426 )
133 ) (2/503 ) وهو في المسند للإمام أحمد ( 4/96 ) وانظر مجمع الزوائد ( 5/271 )
134 ) قال الألباني : حديث صحيح. ينظر : (( ظلال الجنة في تخريج السنة ( 2/508 )
135 ) ( 1/73 – 74 ) وفي إسناده ابن لهيعة، وهو صدوق خلط بعد احتراق كتبه، ولم تن هذا الحديث شواهد كثيرة
136 ) (( الإحسان في تقرير صحيح ابن حبان ) ( 13/301 ) و (( موارد الظمآن إلي زوائد ابن حبان )) ( ص 372)
137 ) (( السنة )) (2/499) .
138 ) المصدر السابق .
139 ) كما في (( الإصابة )) ( 6/217 ) .
140 ) من ((نصيحة مهمة في ثلاث قضايا )) ( ص 48 ) الطبعة الثالثة.
141 ) (( مجموع فتاوي ابن تيمية )) ( 35/12 ) .
 
=



الفصل الخامس: في الحث على إنكار المنكر وكيفية الإنكار على الأمراء

الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر أصل من أصول الدين به يظهر الخير ويعم ويختفي الباطل ويضمحل.
ولقد فرق الله بين المؤمنين والمنافقين بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فدل ذلك على أن أخص صفات المؤمنين قيامهم به.
فقال – تعالي - : ( وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ المُنكَرِ .... ( الآية. (142)
وقد ذكر قبلها : ( الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَاتُ بَعْضُهُم مِّنْ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمُنكَرِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ المَعْرُوفِ ( (143)
وقد أوجبه الله تعالي على هذه الأمة في قوله : ( وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ المُنكَرِ وَأُوْلَئِكَ هُمُ المُفْلِحُونَ ( (144)
فيجب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر على هذه الأمة بدلالة هذه الآية ،ولكن وجوبه وجوب كفائي ن إذا قام به من يكفي سقط الآثم عن الباقين، في أصح أقوال أهل العلم.
وهذه الأمة المحمدية إنما حازت الشرف والخيرية على الأمم الماضية بهذه الخصلة الشريفة، كما قال – تعالي ( كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ المُنكَرِ ( (145)
فمن تحقق فيه هذا الوصف فهو من أفض الأمة .
وقد لعن الرسل – صلوات الله وسلامه عليهم – من كفر من بني إسرائيل بسبب تركهم إنكار المنكر، كما قال - تعالي - :
( لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُودَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ (78) كَانُوا لاَ يَتَنَاهَوْنَ عَن مُّنكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ ( (146)
فقوله : ( ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ (، أي أن لعنهم بسبب عصيانهم واعتدائهم، ثم فسر الاعتداء بقوله : ( كَانُوا لاَ يَتَنَاهَوْنَ عَن مُّنكَرٍ فَعَلُوهُ (، أي : لا ينهي بعضهم بعضاً عن المنكر، ثم أقسم الله تعالي على ذم هذا فقال ( لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ (.
وقد جاءت السنة مقررة هذه الأحكام المنصوص عليها في كتاب الله تعالي، ففي (( صحيح مسلم )) (147)، عن أبي سعيد الخدري – رضي الله عته -، قال : سمعت رسول الله ( يقول :
(( من رأي منكم منكراً فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان ))
فهذا حديث خطاب لجميع الأمة وهو دال على وجوب إنكار المنكر بحسب القدرة، وأن إنكاره بالقلب لابد منه، فمن لم ينكر قلبه المنكر فقد هلك، كما قال ابن مسعود – عندما سمع رجلاً يقول : هلك من لم يأمر بالمعروف ولم ينه عن المنكر -، قال ابن مسعود : (( هلك من لم يعرف بقلبه المعروف والمنكر )) (148)
قال العلامة ابن رجب – رحمه الله – شارحاً هذا الأثر :
(( يشير إلي أن معرفة المعروف والمنكر بالقلب فرض لا يسقط عن أحد، فمن لم يعرفه هلك )) (149) ا هـ .
وقد ذهب بعضهم إلي أن الإنكار باليد للولاة ومن قاربهم وبالقول للعلماء (150)
وهذا القول ضعيف إذ هو تخصيص بلا مخصص، فالإنكار باليد لكل من قدر عليه من المسلمين.
ولعل قائل هذا القول إنما أتي من تلازم السيف واليد في ذهنه ففرق هذا التفريق حذراً من الوقوع في المحظور وهو التغيير بالخروج على ولاة الأمر، وليس كذلك.
قال الإمام أحمد في – رواية صالح - :
(( التغيير باليد ليس بالسيف والسلاح ))
وقال المروذي : (( قلت لأبي عبد الله كيف الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر؟ قال: باليد واللسان، وبالقلب وهو أضعف قلت: كيف باليد قال: يفرق بينهم )).
قال : (( ورأيت عبد الله مر على صبيان الكتاب يقتتلون ففرق بينهم )) (151) ا هـ.
فعموم الحديث يقضي بمشروعية الإنكار باليد لمن قدر عليه، كمن استطاع أن يكسر مزماراً أو أن يطمس صورة ونحو ذلك.
لكن هذا مشروط بشرط منها : ألا يفضي إنكاره هذا إلي منكر اشد منه، وأن لا يكون الإنكار باليد مما اختص السلطان به شرعاً كإقامة حد، أو شهر سيف، ونحو ذلك.
قال ابن الجوزي – رحمه الله تعالي - :
(( الضرب باليد والرجل وغير ذلك وغير ذلك مما ليس فيه إشهار سلاح أو سيف يجوز للآحاد بشرط الضرورة والاقتصار على قدر الحاجة )) (152) ا هـ.
وقال ابن الأزرق في (( بدائع السلك في طبائع الملك )) (153)
عندما ذكر أن من المخالفات الإفتيات على ولي الأمر، قال :
(( ومن أعظمه فساد تغيير المنكر بالقدر الذي لا يليق إلا بالسلطان )) ا هـ
وهذا كله فيما إذا كان صاحب المنكر غير السلطان، فإن كان السلطان (( فليس لأحد منعه بالقهر باليد، ولا أن يشهر عليه سلاحاً، أو يجمع عليه أواناً لأن في ذلك تحريكاً للفتن وتهييجاً للشر، وإذهاباً لهيبة السلطان من قلوب الرعية وربما أدي ذلك إلي تجريهم على الخروج عليه وتخريب البلاد، وغير ذلك مما لا يخفي )). قال ابن النحاس (154).
وقد قال الإمام أحمد – رحمه الله - :
(( لا يتعرض للسلطان، فإن سيفه مسلول )) (155)


طريقة الإنكار على الولاة
فإن سألت عن الطريقة الشرعية للإنكار على السلاطين فهي مبسوطة في كتب السنة وغيرها من كتب أهل العلم.
وفي مقدم الإجابة عن هذا السؤال أمهد بنقلين ثم أورد الأدلة على ما أقروه والله الموفق :
النقل الأول :
قال ابن مفلح في (( الآداب الشرعية )) :
(( ولا ينكر أحد على سلطان إلا واعظاً له وتخويفاً أو تحذيراً من العاقبة في الدنيا والآخرة فإنه يجب، ويحرم بغير ذلك. ذكره القاضي، وغيره.
والمراد : ولم يخف منه بالتخويف والتحذير وغلا سقط وكان حكم ذلك كغيره.
والمراد : ولم يخف منه بالتخويف والتحذير، وإلا سقط المنكر مع السلاطين : التعريف والوعظ فأما تخشين القول نحو : يا ظالم، يا من لا يخاف الله، فإن كان ذلك يحرك فتنة يتعدى شرورها إلي الغير لم يجز، وإن لم يخف إلا على نفسه فهو جائز عنه جمهور العلماء.
قال : والذي أراه المنع من ذلك )) (156) ا هـ
النقل الثاني :
قال ابن النحاس في كتابه (( تنبيه الغافلين عن أعمال الجاهلين، وتحذير السالكين من أفعال الهالكين )) (157)
(( ويختار الكلام مع السلطان في الخلوة على الكلام معه على رأس الأشهاد بل يود لو كلمة سراً ونصه خفية من غير ثالث لها )) ا هـ.
لقد كان موقف سلفنا الصالح من المنكرات الصادرة من الحكام وسطاً بين طائفتين :
أحدهما : الخوارج والمعتزلة، والذين يرون الخروج على السلطان إذا فعل منكراً.
والأخرى : الروافض الذين أضفوا على حكامهم قداسة، حتى بلغوا بهم مرتبة العصمة.
وكلا الطائفتين بمعزل عن الصواب وبمنأى عن صريح السنة والكتاب.
ووفق الله أهل السنة والجماعة – أهل الحديث – إلي عين الهدى والحق، فذهبوا إلي وجوب إنكار المنكر، لكن بالضوابط الشرعية والحق، فذهبوا إلي وجوب إنكار المنكر، ولكن بالضوابط الشرعية التي جاءت بها السنة، وكان عليها سلف هذه الأمة.
ومن أهم ذلك وأعظمه قدراً أن يناصح ولاة الأمر سراً فيما صدر عنهم من منكرات، ولا يكون ذلك على رؤوس المنابر وفي مجامع الناس لما ينجم على ذلك – غالباً – من تأليب العامة وإثارة الرعاع، وإشعال الفتن.
وهذا ليس من دأب أهل السنة والجماعة بل سبيلهم ومنهجهم جمع قلوب الناس على ولاتهم والعمل على نشر المحبة بين الراعي والرعية والأمر بالصبر على ما يصدر عن الولاة سراً ،والتحذير من المنكرات عموماً أمام الناس دون تخصيص فاعل، كالتحذير من الزني عموماً ومن الربا عموماً، ومن الظلم عموماً، ونحو ذلك .
يقول العلامة الشيخ عبد العزيز ابن باز – رحمه الله تعالي - :
(( ليس من منهج السلف التشهير بعيوب الولاة وذكر ذلك على المنابر، لأن ذلك يفضي إلي الفوضى ،وعدم السمع والطاعة في المعروف ويفضي إلي الخوض الذي يضر ولا ينفع.
ولكن الطريقة المتبعة عند السلف : النصيحة فيما بينهم وبين السلطان والكتابة إليه، أو الاتصال بالعلماء الذين يتصلون به حتى يوجه إلي الخير.
وإنكار المنكر من دون ذكر الفاعل، فينكر الزني، وينكر الخمر، وينكر الربا، من دون ذكر من فعله، ويكفي إنكار المعاصي والتحذير منها من غير ذكر أن فلانا يفعلها، ، لا حاكم ولا غير حاكم ولما وقعت الفتنة في عهد عثمان، قال بعض الناس لأسامة ابن زيد – رضي الله عنه - : لا تنكر على عثمان ؟
قال :
أأنكر عليه عند الناس ؟ لكن أنكر عليه بيني وبينه ولا أفتح باب شر على الناس.
ولما فتحوا الشر في زمن عثمان – رضي الله عنه – وأنكروا على عثمان جهره تمت الفتنة والقتال والفساد الذي لا يزال الناس في آثاره إلي اليوم، حتى حصلت الفتنة بين على ومعاوية، وقتل عثمان وعلى بأسباب ذلك وقتل جم كثير من الصحابة وغيرهم بأسباب الإنكار العلني وذكر العيوب علناً حتى أبغض الناس ولي أمرهم وحتى قتلوه. نسال الله العافية )) (158)
وهذا الذي قرره الشيخ – رحمه الله – هو امتداد لما قرره أئمة الدعوة – رحمهم الله تعالي – في كتبهم وهو في الحقيقة امتداد لما عليه السف الصالح من الصحابة والتابعين ومن سلك مسلكهم من أهل العلم والدين.
وفي هذا يقول أئمة الدعوة : الشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ، والشيخ محمد بن عبد اللطيف آل الشيخ، والشيخ سعد بن عتيق ،والشيخ عمرو بن سليم والشيخ عبد الله العنقري – رحم الله الجمع – عندما شغب بعض المنتسبين إلي الدين والدعوة في زمنهم على هذا الأصل، وإثارة الشبه الشيطانية حوله فقال أولئك الأئمة :
(( وأمما ما قد يقع من ولاة الأمور من المعاصي والمخالفات التي لا توجب الكفر والخروج من الإسلام فالواجب فيها :
مناصحتهم على الوجه الشرعي برفق ،وإتباع ما كان عليه السلف الصالح من عدم التشنيع في المجالس ومجامع الناس.
واعتقاد أن ذلك من إنكار المنكر الواجب إنكاره على العباد، غلط فاحش، وجهل ظاهر، لا يعلم صاحبه ما يترتب عليه من المفاسد العظام في الدين والدنيا، كما يعرف ذلك من نور الله قلبه، وعرف طريقة السلف الصالح ،وأئمة الدين.
قال شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب – رحمه الله – في رسالة له نوردها – هنا – لعظم فائدتها، وقال – رحمه الله تعالي - :
(( بسم الله الرحمن الرحيم :
من محمد بن عبد الوهاب إلي من يصل إليه هذا الكتاب من الأخوان :
سلام الله عليكم ورحمته وبركاته :
وبعد :
يجري عندكم أمور تجري عندنا من سابق وننصح إخواننا إذا جرى منها شيء حتى فهموها وسببها أن بعض أهل الدين ينكر منكراً، وهو مصيب، ولكن يخطئ في تغليظ الأمر إلي شيء يوجب الفرقة بين الإخوان : وقد قال – تعالي - :
? يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ (102) وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعاً وَلاَ تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِ إِخْوَاناً وَكُنتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِّنَ النَّارِ فَأَنقَذَكُم مِّنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ ( (159)
وقال ( : (( إن الله يرضي لكم ثلاثاً : أن تعبدوه ولا تشركوا به شيئاً، وأن تعتصموا بحبل الله جميعاً ولا تفرقوا وأن تناصحوا من ولاه الله أمركم )) (160)
وأهل العلم يقولون الذي يأمر بالمعروف وينهي عن المنكر يحتاج إلي ثلاث : أن يعرف ما يأمر به وينهي عنه، ويكون رفيقاً فيما يأمر به وينهي عنه، صابراً على ما جاءه من الأذى.
وأنتم محتاجون للحرص على فهم هذا والعمل به فإن الخلل إنما يدخل على صاحب الدين من قلة العمل بهذا أو قلة فهمه.
وأيضاً يذكر العلماء أن إنكار المنكر إذا صار يحصل بسببه افتراق لم يجز إنكاره.
فالله الله في العمل بما ذكرت لكم، والتفقه فيه فإنكم لم تفعلوا صار إنكاركم مضرة على الدين والمسلم لا يسعى إلا في صلا ح دينه ودنياه.
وسبب هذه المقالة التي وقعت بين أهل الحوطة – لو صار (161) – أهل الدين واجب عليهم إنكار المنكر فلما غلظوا الكلام صار فيه اختلاف بين أهل الدين، فصار فيه مضرة على الدين والدنيا.
وهذا الكلام وإن كان قصيراً فمعناه طويل ،فلازم لازم، تأملوه وتفقهوا فيه، واعملوا به، فإن عملتم به صار نصراً للدين واستقام الأمر - إن شاء الله –
والجامع لهذا كله أنه صدر المنكر من أمير أو غيره، ، أن ينصح برفق خفية، ما يشترف (162) أحد، فإن وافق وإلا استلحق عليه رجلاً يقبل منه بخفية، فإن لم يفعل فيمكن الإنكار ظاهراً، إلا إن كان على أمير ونصحه ولا وافق، واستلحق عليه ولا وافق، فيرفع الأمر إلينا خفية.
هذا الكتاب كل أهل بلد ينسخون منه نسخة، ويجعلونها عندهم، ثم يرسلونها لحرمه والمجمعة، ثم للغاط والزلفي، والله أعلم )) (163) ا هـ.
وهذا الذي قرره هؤلاء الأئمة – رحمهم الله تعالي – من كون مناصحة ولي الأمر إنما تكون سراً قد نطقت به النصوص النبوية وشهدت له الآثار السلفية، وها هي الأدلة على ذلك :
الدليل الأول :
قال الإمام أحمد – رحمه الله - :
(( حدثنا أبو المغرة : ثنا صفوان : حدثني شريح بن عبيد الحضرمي – وغيره -، قال : جلد عياض بن غنم (164) صاحب ( دارا ) حين فتحت، فأغلظ له هشام بن حكيم القول حتى غضب عياض، ثم مكث ليالي، فأتاه هشام بن حكيم، فاعتذر إليه ثم قال هشام لعياض : ألم تسمع النبي ( يقول : (( إن من أشد الناس عذاباً أشدهم عذاباً في الدنيا للناس )).
فقال عياض ابن غنم : يا هشام بن حكيم ! قد سمعنا ما سمعت، ورأينا ما رأيت أولم تسمع رسول الله ( يقول :
(( من أراد أن ينصح لسلطان بأمر فلا يبد له علانية، ولكن ليأخذ بيده، فيخلو به، فإن قبل منه فذاك، وإلا كان قد أدي الذي عليه له )) وإنك يا هشام لأنت الجريء إذ تجترئ على سلطان الله فهلا خشيت أن يقتلك السلطان فتكون قتيل سلطان الله – تبارك وتعالي - )) ا هـ.
عياض بن غنم، هو : ابن زهير ابن أبي شداد أبو سعيد الفهري صحابي جليل، وهو ممن بايع بيعة الرضوان، وتوفي سنة عشرين بالشام.
وهشام بن حكيم، هو : ابن حزام بن خويلد، القرشي الأسدي، صحابي جليل، توفي في أول خلافة معاوية.
وشريح بن عبد الخضرمي الحمصي : تابعي ثقة.
قال الهيثمي في (( المجمع )) (165) :
(( قلت : في (( الصحيح )) طرف منه من حديث هشام فقط، رواه أحمد، ورجاله ثقات، إلا أني لم أجد لشريح من عياض وهشام سماعاً وإن كان تابعاً )) ا هـ
قلت : شريح سمع هذا الحديث من حبير بن نفير عن عياض وهشام فقد أخرجه ابن أبي عاصم في (( السنة )) (166) من طريق محمد ابن إسماعيل بن عياش، عن أبيه، عن ضمض بن زرعة الحمصي، عن شريح بن عبيد، قال : قال جبير بن نفير : قال عياض بن غنم لهشام بن حكيم ..... الحديث.
ومحمد بن إسماعيل : ضعيف الحديث.
وأخرجه أبو نعيم في (( معرفة الصحابة )) (167) من طريق عبد الوهاب بن الضحاك عن إسماعيل بن عيا ش .... به
وعبد الوهاب متروك.
قال أبو نعيم – عقبه - :
(( رواه بقية من صفوان بن عمرو، عن شريح، عن جبير )) ا هـ.
وبقية قد صرح بالحديث عن ابن أبي عاصم.
وقد ذكر أبو نعيم – أيضاً – متابعين لشريح في هذا الحديث فقال :
رواه الزبيدي، عن الفضيل بن فضالة، عن ابن عايذ، عن جبير بن نفير.
رواه الزبيري عن عروة بن الزبير ن عن عياض بن غنم ... ))
قلت :
أما المتابعة الأولي : فقد أخرجها الحاكم في (( مستدركه )) (168) من طريق عمرو بن إسحاق بن إبراهيم بن العلاء بن زبريق الحمصي : ثنا أبي : ثنا عمرو ابن الحارث عن عبد الله بن سالم عن الزبيدي، ثنا الفضيل (169) بن فضالة يرده إلي ابن عايذ (170) إلي جبير بن نفير، أن عياض بن غنم ... الحديث.
وأخرجه الطبراني في الكبير )) (171)، قال :
(( حدثنا عمرو بن إسحاق بن زبريق الحمصي : ثنا أبي. ( ح ) وحدثنا عمارة بن وثيمة المصري وعبد الرحمن بن معاوية العتبى قالا : ثنا إسحاق بن زبريق الحمصي : ثنا عمرو بن الحارث ... به )) :
قال الهيثمي في (( مجمع الزوائد )) (172)
(( رجاله ثقات ،وإسناده متصل )) ا هـ.
قلت : إسحاق بن إبراهيم بن العلاء، قال فيه أبو حاتم : شيخ لا بأس به ،ولكنهم يحسدونه، سمعت يحي بن معين أثني عليه خيراً )).
وجاء في (( تاريخ ابن عساكر )) – كما في (( تهذيبه )) لابن بدران (173) – أن النسائي قال : إسحاق ليس بثقة، إذ روي عن عمر بن الحارث )) ا هـ.
وهذا طريق من روايته عن عمر بن الحارث.
وقد قال الحافظ ابن حجر في حال إسحاق :
(( صدوق يهم كثيراً، وأطلق محمد بن عوف أنه يكذب ))
ولذا فإن الحاكم لما صحح الحديث تعقبه الذهبي فقال :
(( ابن زبريق : واه )).
وأما شيخة عمر بن الحارث، فقد ذكر بن حبان في ((ثقاته )) (174) وقال : (( مستقيم الحديث ))
وذكر الذهبي في (( الميزان )) (175)، وقال :
(( تفرد بالرواية عنه إسحاق بن إبراهيم بن زبريق ومولاة له أسمها : علوة، فهو غير معروف العادلة ... )) ل هـ.
ولهذا الطريق إسناد آخر، أخرجه ابن أبي عاصم في (( السنة)) (176) وفي (( الآحاد والمثاني )) (177) : حدثنا محمد بن عوف : ثنا عبد الحميد بن إبراهيم، عن عبد الله بن سالم، عن الزبيدي عن الفضل بن فضالة يرده إلي ابن عايذ إلي بير بن نفير، عن عايض بن غنم، قال لهشام بن حكيم ..... الحديث.
ورجاله كلهم ثقات، سوى عبد الحميد بن إبراهيم – وهو الحضرمي -، قال الحافظ ابن حجر في حاله :
(( صدوق إلا أنه ذهبت كتبه فساء حفظه )) اهـ. أما المتابعة الثانية التي أشار إليها أبو نعيم، فقد أسندها هو، فقال :
(( حدثنا الحسن بن علان :ثنا الحسين بن أبي الأحوص : ثنا محمد بن إسحاق البلخي : ثنا ابن المبارك : ثنا يونس، ثنا يونس ن عن الزهري عن عروة بن الزبير عن عياض بن غنم، أنه رأى نبطيا يشمس في الجزيرة فقال لعاملهم : أني سمعت رسول الله ( يقول :
(0 إن الله – عز وجل – يعذب الذين يعذبون الناس في الدنيا )).
ورواه الليث بن سعد عن يونس ا هـ.
قلت :الحسن بن أبي الأحوص ،، وهو الحسين بن عمرو بن أبي الأحوص .
ترجمة الخطيب في (( تاريخ بغداد )) (178)، وقال : (( ثقة ))
ومحمد بن إسحاق هو : ابن حرب اللؤلؤي البلخي، كان أحد الحفاظ إلا أن صالح بن محمد جرة قال : (( كذاب )) ا هـ من (( ميزان الاعتدال )) (179)
والمعروف أن هذا الحديث من مسند هشام بن حكيم بن حزام، لا من مسند عياض بن غنم فلعل هذا ما قبل البلخي، فقد أخرجه الإمام مسلم في صحيحه – كتاب البر والصلة والآداب – من طريق هشام بن عروة عن أبيه عن هشام بن حكيم ابن حزام قال : مر بالشام على أناس وقد أقيمو في الشمس وصب على رؤوسهم الزيت فقال : ما هذا ؟ قيل : يعذبون في الخراج، فقال : أما إني سمعت رسول الله ( يقول
(( إن الله يعذب الذين يعذبون في الدنيا ))
كما أخرجه من طريق يونس عن الزهري عن عروة بن الزبير، أن هشام بن حكيم وجد رجلاً – وهو على حمص – يشمس ناساً من النبط في أداء الجزية فقال : ما هذا ؟ إني سمعت رسول الله ( يقول : (( إن الله يعذب الذين يعذبون الناس في الدنيا )).
وهذه متابعة قوية، ولذا، فإن الهيثمي (180) لما ذكر حديث عياض بن غنم من رواية شريح بن عبيد عند الإمام أحمد، قال :
(( قلت : في (( الصحيح )) طرف منه من حديث هشام فقط .. )) ا هـ.
فعلى هذا فالحديث صحيح بهذا الطريق ،وليس حسناً كما قال بعضهم فضلاً عن تضعيفه.
وممن صححه المحدث الشيخ ناصر الدين الألباني في كتابه (( ظلال الجنة في تخريج السنة )) (181)
وهذا الحديث أصل في إخفاء نصيحة السلطان ،وأن الناصح إذا قام بالنصح على هذا الوجه، فقد برئ وخلت ذمته من التبعة
قال العلامة السندي في (( حاشيته على مسند الإمام أحمد )) (182)
قوله : (( من أراد أن ينصح لسلطان ))، : نصيحة السلطان ينبغي أن تكون في السر، لا بين الخلق )) ا هـ.
وفي القصة التي وردت بين الصحابيين الجليلين هشام بن حكيم بن حزام وعياض بن غنم أبلغ رد على من أستدل بإنكار هشام بن حكيم علانية على السلطان، أو بإنكار غيره من الصحابة، إذ إن عياض بن غنم أنكر عليهم ذلك وساق النص القاطع للنزاع الصريح في الدلالة وهو قوله ( : (( من أراد ا، ينصح لذي سلطان، فلا يبده علانية ))، فما كان من هشام بن حكيم – رضي الله عنه - إلا التسليم والقبول لهذا الحديث الذي هو غاية في الدلالة على المقصود.
والحجة إنما هي في حديث رسول الله (، لا في قول أو فعل أحد من الناس، مهما كان.
قال الله تعالي : ( إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ المُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَن يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَأُوْلَئِكَ هُمُ المُفْلِحُونَ (51) وَمَن يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَخْشَ اللَّهَ وَيَتَّقْهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الفَائِزُونَ ( (183)
وقال - تعالي - : ( وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلاَ مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَن يَكُونَ لَهُمُ الخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَن يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالاً مُّبِيناً ( (184)
وقال - تعالي - : ( وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا إِلَى مَا أَنزَلَ اللَّهُ وَإِلَى الرَّسُولِ رَأَيْتَ المُنَافِقِينَ يَصُدُّونَ عَنكَ صُدُوداً ( (185) إلي قول – تعالي - ( فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لاَ يَجِدُوا فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجاًّ مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيماً ( (186) وبناء على هذا الحديث العظيم جاءت أقوال السلف وأفعالهم على وفقه، كما سترى النقل عن بعضهم في هذا المسطور .
قال الشوكاني في (( السيل الجرار )) (187)
(( ينبغي لمن ظهر له غلط في بعض المسائل أن تناصحه ولا يظهر الشناعة عليه على رؤوس الأشهاد.
بل كما ورد في الحديث : أنه يأخذ بيده ويخلوا به، ويبذل له النصيحة، ولا يذل سلطان الله.
وقد قدمنا : أنه لا يجوز الخروج على الأئمة وإن بلغوا في الظلم أي مبلغ ما أقاموا الصلاة ولم يظهر منهم الكفر البواح والأحاديث الواردة في هذا المعني متواترة.
ولكن على المأموم أن يطيع الإمام في طاعة الله ،ويعصيه في معصية الله، فإنه لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق )) انتهى.
الدليل الثاني :
أخرج البخاري في (( صحيحه )) (188) ، كتاب الإيمان وكتاب الزكاة ،ومسلم في (( صحيحه )) (189) ، كتاب الإيمان وكتاب الزكاة عن سعد بن أبي وقاص – رضي الله عنه -، قال :
أعطي رسول الله ( رهطاً – وأنا جالس فيهم -، قال : فترك رسول الله ( منهم رجلاً لم يعطه، وهو أعجبهم إلي، فقمت إلي رسول الله ( فساررته، فقلت : يا رسول الله !ما لك عن فلان ؟ والله إني لأراه مؤمناً، قال : (( أو مسلماً ... )) وفيه قال ( :
(( إني لأعطي الرجل وغيره أحب إلي منه وخشية أن يكب في النار على وجهه )).
قال النووي – رحمه الله - :
(( فيه التأدب مع الكبار، وأنهم يسارون بما كان من باب التذكير لهم والتنبيه ونحوه، ولا يجاهرون فقد يكون في المجاهرة به مفسدة )) ا هـ (190)
الدليل الثالث :
أخرج الترمذي في (( سننه )) (191) - أبواب الفتن -، قال :
حدثنا بندار : حدثنا أبو داود : حدثنا حميد بن مهران، عن سعد بن أوس، عن زياد بن كسيب العدوى، قال :
كنت مع أبي بكرة تحت منبر ابن عامر – وهو يخطب وعليه ثياب رقاق -، فقال أبو بلال (192) :
انظر إلي أميرنا يلبس ثياب الفساق !
فقال أبو بكرة : اسكت، سمعت رسول الله ( يقول :
(( من أهان سلطان الله في الأرض أهانه الله )).
قال الترمذي : (( حسن غريب )) ا هـ.
وأخرجه الإمام أحمد في المسند (193) من الطريق نفسه دون ذكر القصة ولفظه : (( من أكرم سلطان الله – تبارك وتعالي – في الدنيا، أكرمه الله يوم القيامة، ومن أهان سلطان الله – تبارك وتعالي – في الدنيا، أهانه الله يوم القيامة ))
وقال الهيثمي في (( المجمع )) (194) :
(( رواه أحمد والطبراني باختصار، وزاد في أوله : (( الإمام ظل الله في الأرض ))، ورجال أحمد ثقات )) ا هـ.
قلت : زياد بن كسيب العدوى، قال الحافظ ابن حجر : (( مقبول )) ا هـ.
وقد تابعه عبد الرحمن بن أبي بكرة، كما عند ابن أبي عاصم في (( السنة )) (195)، وفي إسناده ابن أبي لهيعة ورجل مجهول.
وقد حسن الحديث الشيخ الألباني – رحمه الله – في (( السلسلة الصحيحة )) (196)
قال الشيخ صالح بن عثيمين – رحمه الله تعالي – في كتابه (( مقاصد الإسلام )) (197) – عندما قرر أن النصيحة تكون للولاة سراً لا علانية وساق بعض الأدلة على ذلك، ومنها هذا الحديث -، قال : (( فإذا كان الكلام في الملك بغيبة، أو نصحه جهراً والتشهير به من إهانته التي توعد اله فاعلها بإهانته، فلا شك أنه يجب مراعاة ما ذكرناه – يريد الإسرار بالنصح ونحوه – لمن استطاع نصيحتهم من العلماء الذين يغشونهم ويخالطونهم، وينتفعون بنصيحتهم دون غيرهم ...
إلي أن قال : (( فإن مخالفة السلطان فيما ليس من ضروريات الدين علناً ،وإنكار ذلك عليه في المحافل والمساجد والصحف ومواضع الوعظ وغير ذلك، ليس من باب النصيحة في شيء، فلا تغتر بمن يفعل ذلك، وإن كان عن حسن نية، فإنه خلاف ما عليه السلف الصالح المقتدي بهم، والله يتولى هداك ))
الدليل الرابع :
قال الإمام أحمد في (0 المسند ) (198) :
(( ثنا أبو النضر : ثنا الحشرج بن نباتة العبسي – كوفي - : حدثنا سعيد بن جمهان (199) قال أتيت عبد الله بن أبي أوفى وهو محجوب البصرة فسلمت عليه.
قال لي : من أنت ؟ فقلت : أنا سعيد بن جهمان.
قال : فما فعل والدك ؟ قال : قلت : قتلته الأزراقة.
قال : لعن الله الأزراقة، لعن الله الأزراقة، حدثنا رسول الله ( أنهم كلاب النار.
قال : قلت : فإن السلطان يظلم الناس ويفعل بهم، قال : فتناول يدي فغمزها بيده غمزة شديدة، ثم قال :
ويحك يا ابن جمهان، عليك بالسواد الأعظم، عليك باسواد الأعظم إن كان السلطان يسمع منك، فائته في بيته، فأخبره بما تعلم، فإن قبل منك وإلا فدعه فإنك لست بأعلم منه )).
قال الهيثمي في (( المجمع )) (200) :
(( رواه أحمد والطبراني ،ورجال أحمد ثقات )) ا هـ.
وقد حسنه الشيخ الألباني في (( تخريج السنة )) (201)، وهو كما قال.
الدليل الخامس :
أخرج البخاري، ومسلم في (( صحيحيهما )) (202)، عن أسامة بن زيد ن أنه قيل له : ألا تدخل على عثمان لتكلمه ؟ فقال :
( أترون أني لا أكلمه إلا أسمعكم ؟ والله لقد كلمته فيما بيني وبينه ما دون أن أفتح أمراً لا أحب أن أكون أول من فتحه )) هذا سياق مسلم.
قال الحافظ في (0 الفتح )) (203)قال المهلب : قوله : (( قد كلمته سراً دون أن أفتح باباً ))، أي باب الإنكار على الأئمة علانية، خشية أن تفترق الكلمة ... وقال عياض : مراد أسامة أنه لا يفتح باب المجاهرة بالنكير على الإمام لما يخشى من عاقبة ذلك، بل يتلطف به وينصحه سراً، فذلك أجدر بالقول. ا هـ.
وقال الشيخ الألباني في تعليقه على (( مختصر صحيح مسلم )) (204)
يعني المجاهرة بالإنكار على الأمراء في الملإ، لأن في الإنكار جهاراً ما يخشى عاقبته، كما أتفق في الإنكار على عثمان جهاراً، إذ نشأ عنه قتله )) ا هـ .
الدليل السادس :
أخرج هناد بن السري في (( الزهد )) (205) عن عمر بن الخطاب – رضي الله عنه – ن أنه قال :
(( أيتها الرعية ! إن عليكم حقاً، النصيحة بالغيب، والمعاونة على الخير ... ))
الدليل السابع :
أخرج ابن أبي شيبة في (( المصنف )) (206)، وسعيد بن منصور في (( سننه )) (207) وابن أبي الدنيا في (( الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر )) (208) والبيهقي في (( الشعب )) (209) عن سعيد بن حبير قال : قلت لابن عباس آمر إمامي بالمعروف ؟ فقال : ابن عباس :
(( إن خشيت أن يقتلك فلا، فإن كنت فاعلاً ففيما بينك وبينه، ولا تغتب إمامك ))، وهذا أثر صحيح.
الدليل الثامن :
أخرج ابن أبي شيبة في (( المصنف )) (210)، وسعيد بن منصور في (( سننه )) (211) عن خيثمة بن عبد الرحمن بن أبي سبرة، قال : قال عبد الله : (( إذا أتيت الأمير المؤمر، فلا تأته على رؤوس الناس ))، هذا لفظ سعيد.


142 ) سورة التوبة : 71.
143 ) سورة التوبة 67 .
144 ) سورة آل عمران الآية 104 .
145 ) سورة آل عمران الآية 110
146 ) سورة المائدة الآية 78-79 .
147 ) (1/69)
148 ) رواه الطبراني في (0 الكبير )) ( 9/112 )، وإسناده صحيح، وقال الهيثمي في (( المجمع )) ( 7/275 ) : (( رجاله رجال الصحيح )) ا هـ.
149 ) (( جامع العلوم والحكم )) : ( 2/ 245) ط. الرسالة
150 ) ينظر : (( دليل الفالحين )) لابن علان (( (1/466).
151 ) (( الآداب الشرعية )) لابن مفلح ( 1/ 182 ) .
152 ) ينظر الآداب الشرعية لابن مفلح ( 1/ 195 ) .
153 ) ( 2/45 )، ط. العراق.
154 ) (( تنبيه الغافلين )9 ( ص 46 )، ط. مطابع النعيمي، وسيأتي الكلام على ذلك بأدلته – أن شاء الله تعالي -.
155 ) (( الآداب الشرعية )) : ( 1/ 197 ) .
156 ) (( الآداب الشرعية )) ( 1/195-197 ).
157 ) (ص 64 )
158 ) من فتوى للشيخ مطبوعة في آخر رسالة (( حقوق الراعي والرعية )) لابن عثيمين ( ص 27-28 )
159 ) سورة آل عمران الآيتان 102-103.
160 ) أخرجه مسلم في (( صحيحه )) : ( 3/1340 ) والإمام أحمد في (( المسند )) : ( 2/367 ) عن أبي هريرة – رضي الله عنه – واللفظ للإمام أحمد
161 ) كذا في الأصل .
162 ) أي : ما يطلع عليه أحد
163 ) من (( نصيحة مهمة في ثلاث قضايا )) : ( ص 49-53 )
164 ) بفتح الغين، ينظر : (( المغني في ضبط أسماء الرجال ومعرفة كنى الرواة وألقابهم وأنسابهم )) للعلامة محمد طاهر الهندي.
165 ) (5/229 )
166 ) (2/522)
167 ) (2/ب 161 /أ ) .
168 ) ( 3/290 ) وعنه البيهقي في (( السنن )) : ( 8/164 )
169 ) في (( المستدرك )) : (( الفضل )9، والتصويب من كتب الرجال. أنظر : (( تهذيب الكمال )) : ( 33/304 )
170 ) في ((المستدرك )) : (( عائذ )) ،والصواب ما أثبته، وهو عبد الرحمن بن عايذ الأزردي الثمالي، يقال : إن له صحبه. ينظر (( تهذيب الكمال )) ( 17/198 ) .
171 ) (7/367 ) .
172 ) (5/ 230 ) .
173 )(2/407 ) .
174 )(8/480 ) .
175 )(3/351 ) .
176 )(2/522 ) .
177 )(2/154 ) .
178 )(8/81 ) .
179 )(3/475 ) .
180 )(5/229 ) .
181 )(2/521-522 ) .
182 ) المطبوع مع (( المسند )) ( 24/50 ط. مؤسسة الرسالة.
183 ) سورة النور الآيتان 51-52 .
184 ) سورة الأحزاب، الآية 36 ..
185 ) سورة النساء الآية : 61.
186 ) سورة النساء، الآية : 65.
187 ) (4/556 )
188 ) ( " فتح "- 1/79)، و ( 3/340 )
189 ) ( نووي – 7/148 ) .
190 ) المصدر السابق ( 7/149 )
191 ) (2225 )
192 ) هو مرداس بن أدية أحد الخوارج، قاله المزي في هامش متابه : (( تهذيب الكمال )) ( 7/399 )) .
193 ) (5/42 ) .
194 ) (5/215) .
195 ) ( 2/492) .
196 ) (5/376 ) .
197 ) ( ص 393 ) .
198 ) ( 4/382 ).
199 ) جمهان : بمضمومه، وسكون ميم، وبنون، مولى عمر بن الخطاب : (( المغني في ضبط أسماء الرجال )) للهندي ( ص 62 ).
200 ) ( 5/230) .
201 ) ( 2/523 ).
202 ) البخاري ( 6/230 )، و ( 13/48 ) – الفتح )، ومسلم ( 4/2290 ) .
203 ) ( 13/52 ) .
204 ) ( 335 ) .
205 ) ( 2/206) .
206 ) ( 15/75) .
207 ) ( 4/ 1657 ) .
208 ) ( ص 113 ) .
209 ) ( 13 / 273 ).
210 ) ( 15/74- 75 )
211 ) ( 4/1660 ) وعبد الله هنا هو ابن مسعود، قال الخليلي في (( الإرشاد )) ( 1/440): إذ قال المصري : عن عبد الله، ولا ينسبه فهو : ابن عمرو، وإذا قال المكي : عن عبد الله لا ينسبه، فهو : ابن عباس، ، وإذا قال المدني : عن عبد الله، ولا ينسبه، فهو : ابن عمر، وإذا قال الكوفي : عن عبد الله، ولا ينسبه، فهو ابن مسعود ا هـ.
قال أحمد في العلل : لم يسمع خيثمة من أبي مسعود. ا هـ.



الفصل السادس: في الصبر على جور الأئمة
الصبر على جور الأئمة أصل من أصول السنة والجماعة (212) لا تكاد تري مولفاً في السنة يخلو من تقرير هذا الأصل، والحض عليه
وقد بلغت الأحاديث حد التواتر في ذلك (213).
وهذا من محاسن الشريعة فإن الأمر بالصبر على جور الأئمة وظلمهم يجلب من المصالح ودرأ من المفاسد ما يكون به صلاح العباد والبلاد.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله تعالي -.
(( وأما ما يقع من ظلمهم وجورهم بتأويل سائغ أو غير سائغ، فلا يجوز أن يزال لما فيه من ظلم وجور، كما هو عادة أكثر النفوس، تزيل الشر بما هو شر منه ،وتزيل العدوان بما هو أعدى منه، فالخروج عليهم يوجب من الظلم والفساد أكثر من ظلمهم فيصبر عليه، كما يصبر عند الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر على ظلم المأمور والمنهي – في مواضع كثيرة – كقوله – تعالي - :( يَا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلاةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ المُنكَرِ وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ ((214)
وقوله ( فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُوْلُوا العَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ ( (215) ،وقوله (( وَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنَا ( (216) )) انتهى.
فاصبر على السلاطين إذا جاروا من عزائم الدين ومن وصايا الأئمة الناصحين (217)
جاء في (( الشريعة ))(218) للأجري : عن عمر بن يزيد، أنه قال :
(( سمعت الحسن – أيام يزيد بن المهلب يقول – وأتاه رهط – فأمرهم أن يلزموا بيوتهم ويغلقوا عليهم أبوابهم، ثم قال :
والله لو أن الناس إذا ابتلوا من قبل سلطانهم صبروا على ما لبثوا أن يرفع الله - عز وجل – ذلك عنهم وذلك أنهم يفزعون إلي السيف فيوكلون إليه، والله ما جاؤوا بيوم خير قط، ثم تلا : ( وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ الحُسْنَى عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ بِمَا صَبَرُوا وَدَمَّرْنَا مَا كَانَ يَصْنَعُ فِرْعَوْنُ وَقَوْمُهُ وَمَا كَانُوا يَعْرِشُونَ ((219)
وقال الحسن - أيضاً - :
(( أعلم – عافاك الله – أن جور الملوك نقمة من نقم الله – تعالي -، ونقم الله لا تلاقي بالسيوف، وإنما تتقي وتستدفع بالدعاء والتوبة والإنابة والإقلاع عن الذنوب.
إن نقم الله متي لقيت بالسيوف كانت هي أقطع
ولقد حدثني مالك بن دينار أن الحجاج كان يقول :
اعلموا أنكم كلما احد ثم ذنباً أحدث الله في سلطانكم عقوبة.
ولقد حدثت أن قائلاً قال للحجاج : إنك تفعل بأمة رسول الله ( كيت و كيت ! فقال : أجل، إنما أنا نقمة على أهل العراق لما أحدثوا في دينهم ما أحدثوا، وتركوا من شراع نبيهم عليه السلام – ما تركوا )) (220) ا هـ.
وقيل : سمع الحسن رجلاً يدعو على الحجاج، فقال :
لا تفعل - رحمك الله -، إنكم من أنفسكم أتيتم، إنما نخاف إن عزل الحجاج أو مات : أن تليكم القردة والخنازير.
ولقد بلغني أن رجلاً كتب إلي بعض الصالحين يشكو إليه جور المال فكتب إليه :
يا أخي ! وصلني كتابك تذكر ما أنتم فيه من جور العمال، وإنه ليس ينبغي لمن عمل بالمعصية أن ينكر العقوبة، وما أظن الذي أنتم فيه إلا من شؤم الذنوب والسلام (221) ا هـ ز
فهذا موقف أهل السنة والجماعة من جور السلطان يقابلونه بالصبر والاحتساب، ويعزون حلول ذلك الجور بهم غلي ما اقترفته أيديهم من خطايا وسيئات، كما قال الله – جلا وعلا - :
( وَمَا أَصَابَكُم مِّن مُّصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَن كَثِيرٍ ( (222)، فيهرعون إلي التوبة والاستغفار ن ويسألون الله – جل وعلا – أن يكشف ما بهم من ضر.
ولا يقدمون على شيء مما نهي عنه الشرع المطهر في هذه الحال – من حمل السلاح أو إثارة فتنة أو نزع يد من طاعة -، لعلمهم أن هذه الأمور إنما يفزع إليها من لا قدر لنصوص الشرع في قلبه من أهل الأهواء الذين تسيرهم الآراء لا الآثار، وتتخطفهم الشبه، ويستنزلهم الشيطان.
ولقد جاء في النصوص (( من التحذير عن مذاهب الخوارج ما فيه بلاغ لمن عصمه الله – عز وجل الكريم – عن مذهب الخوارج ولم ير رأيهم وصبر على جور الأئمة وحيف الأمراء، ولم يخرج عليهم بسيفه، وسال الله العظيم كشف الظلم عنه وعن جميع المسلمين، ودعا للولاة بالصلح، وحج معهم، وجاهد معهم كل عدو للمسلمين، وصلى خلفهم الجمعة والعيدين وإن أمروه بطاعتهم فأمكنته طاعتهم أطاعهم ،وإن لم يمكنه اعتذر إليهم وإن أمروه بمعصية لم يطعهم وإذا دارت بينهم الفتن لزم بيته، وكف لسانه ويده ،ولم يهو ما هم فيه ،ولم يعلن على فتنة فمن كان هذا وصفه كان على الطريق المستقيم – إن شاء الله - )) (223) وقد وردت أحاديث كثيرة عن النبي ( تأمر بالصبر على جور الأئمة وظلمهم، أسوق طرفاً منها :
الدليل الأول :
أخرج البخاري ومسلم في صحيحيهما )) (224) عن عبد الله بن عباس – رضي الله عنهما – أن النبي ( قال :
(( من رأي من أميره شيئاً يكرهه فليصبر ، فإنه من فارق الجمعة شبراً فمات فميتة جاهلية ))
وفي رواية لمسلم : (( من كره من أميره شيئاً ،فليصبر عليه، فإنه ليس أحد من الناس خرج من السلطان شبراً، فمات عليه إلا مات ميتة جاهلية )).
قال ابن أبي جمرة :
(( المراد بالمفارقة السعي في حل عقد البيعة التي حصلت لذلك الأمير ولو بأدنى شيء، فكنى عنها بمقدار الشبر، لأن الأخذ في ذلك يؤول إلي سفك الدماء بغير حق )) ا هـ.
والمراد بالميتة الجاهلية : حالة الموت كموت أهل الجاهلية على ضلال، وليس له إمام مطاع، لأنهم كانوا لا يعرفون ذلك وليس المراد أنه يموت كافراً، بل يموت عاصياًً، قاله الحافظ في (( الفتح )) (225)
الدليل الثاني :
أخرج البخاري ومسلم في (( صحيحيهما )) (226) – أيضا-، عن عبد الله بن مسعود – رضي الله عنه - :
أن رسول الله ( قال : (( إنها ستكون بعدي أثرة وأمور تكرهونها )).
قالوا : يا رسول الله ! فما تأمرنا ؟
قال : تؤدون الحق الذي عليكم، وتسألون الله الذي لكم ))
قوله : (( أثرة )) هي : الإنفراد بالشيء عمن له فيه حق.
وقوله أمور تنكرونها : يعني : من أمور الدين.
وقد أرشدهم النبي ( في هذه الحالة – وهي استئثار الأمراء بالأموال وإظهارهم للمخالفات الشرعية ... – إلي المسلك السليم والمعاملة الحسنة التي يبرا صاحبها من الوقوع في الإثم، وهي إعطاء الأمراء الحق الذي كتب لهم علينا ،من الانقياد لهم وعدم الخروج عليهم.
وسؤال الله الحق الذي لنا في بيت المال بتسخير قلوبهم لأدائه أو بتعويضنا عنه.
قال النووي (227) – رحمه الله تعالي – على هذا الحديث :
(( فيه الحث على السمع والطاعة وإن كان المتولي ظالماً عسوفاً، فيعطي حقه من الطاعة، ولا يخرج عليه، ولا يخلع، بل يتضرع إلي الله – تعالي – في كشف أذاه، ودفع شره، وإصلاحه )) انتهى.
وقال ابن علان :
(( فيه الصبر على المقدور والرضي بالقضاء حلوه ومره والتسليم لمراد الرب العليم الحكيم )) (228) ا هـ.
الدليل الثالث :
أخرج البخاري ومسلم في (( صحيحيهما )) (229) – أيضا -، عن أسيد بن حضير أن رجلاً من الأنصار خلا برسول الله (، فقال : ألا تستعملني كما استعملت فلاناً ؟ فقال :
(( إنكم ستلقون بعدي أثرةً فاصبروا حتى تلقوني على الحوض )).
وقد بوب عليه النووي في (( شرح مسلم )) (230)، فقال :
(( باب الأمر بالصبر عند ظلم الولاة واستئثارهم )) ا هـ.
وبوب عليه ابن أبي عاصم في (( السنة ))، فقال :
(( باب ما أمر به النبي ( من الصبر عندما يري المرء من الأمور التي يفعلها الولاة )) (231) ا هـ.
الدليل الرابع :
أخرج الإسماعيلي في (( مسند عمر بن الخطاب )) (232) ، عن عمر ابن الخطاب – رضي الله عنه – مرفوعاً، قال :
(( أتاني جبريل، فقال : إن أمتك مفتتنة من بعدك، فقلت : من أين ؟ فقال : من قبل أمرائهم، وقرائهم، يمنع الأمراء الناس الحقوق فيطلبون حقوقهم فيفتنون.
قلت : فكيف يسلم من سلم منهم ؟ قال : بالكف والصبر إن أعطوا الذي لهم أخذوه ،وإن منعوه تركوه ))
قال ابن كثير في مسند الفاروق عمر بن الخطاب )) (233) : (( حديث غريب من هذا الوجه، فإن مسلمة بن على الخشني ضعيف )) ا هـ.
الدليل الخامس :
أخرج ابن أبي شيبة في (( المصنف )) (234)، والخلال في (( السنة )) (235) وأبو عمرو الداني في (( الفتن )) (236)، وابن أبي زمنين في (( أصول السنة )) (237) بإسناد جيد عن سويد بن غفلة قال :
قال لي عمر – رضي الله عنه - :
(0 يا أبا أمية إني لا أدري لعلى لا ألقاك بعد عامي هذا ،فإن أمر عليك عبد حبشي مجدع، فاسمع له وأطع، وإن ضربك فاصبر وإن حرمك فاصبر وإن أراد أمراً ينقض دينك فقل : سمعاً وطاعة، ودمي دون ديني، ولا تفارق الجماعة ))
الدليل السادس :
أخرج أبو عمرو الداني في (( الفتن )) (238)، عن محمد بن المنكدر، قال : لما بويع يزيد بن معاوية ذكر ذلك لابن عمرو فقال : (( إن كان خيراً رضينا وإن كان شراً صبرنا )) .
وأخرجه ابن أبي شيبة (239) وابن أبي زمنين في (( أصول السنة )) (240) .
الدليل السابع :
روي التبريزي في (( النصيحة للراعي والرعية )) (241)، عن كعب الأحبار، أنه قال :
(( السلطان ظل الله في الأرض، فإذا عمل بطاعة الله، كان له الأجر وعليكم الشكر، وإذا عمل بمعصية الله، كان عليه الوزر وعليكم الصبر، ولا يحملنك حبه على أن تدخل في معصية الله ولا بغضة على أن تخرج من طاعته )).
ففي هذه الأحاديث والآثار – وغيرها كثير – وجوب الصبر على جور الأئمة واحتمال الأذى مهم، لما في ذلك من درء المفاسد العظيمة التي تترتب على عدم الصبر عليهم.
يقول ابن أبي العز الحنفي – رحمه الله - :
(( وأما لزوم طاعتهم وإن جاروا لأنه يترتب على الخروج من طاعتهم من المفاسد أضعاف ما يحصل من جورهم بل في الصبر على جورهم تكفير السيئات ومضاعفة الأجور، فإن الله – تعالي – ما سلطهم علينا إلا لفساد أعمالنا والجزاء من جنس العمل، فعلينا الاجتهاد في الاستغفار والتوبة وإصلاح العمل.
قال – تعالي- ( وَمَا أَصَابَكُم مِّن مُّصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَن كَثِيرٍ ( (242)
قال – تعالي - ( أَوَ لَمَّا أَصَابَتْكُم مُّصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُم مِّثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّى هَذَا قُلْ هُوَ مِنْ عِندِ أَنفُسِكُمْ ( (243)
قال – تعالي - : ( مَا أَصَابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللَّهِ وَمَا أَصَابَكَ مِن سَيِّئَةٍ فَمِن نَّفْسِكَ ((244)
قال – تعالي - : ( وَكَذَلِكَ نُوَلِّي بَعْضَ الظَّالِمِينَ بَعْضاً بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ ( (245)
فإذا أراد الرعية أن يتخلصوا من ظلم الأمير الظالم، فليتركوا الظلم.
وعن مالك بن دينار أنه جاء في بعض كتب الله :
(( إنا الله مالك الملك، قلوب الملوك بيدي، فمن أطاعني جعلتهم عليه رحمة ومن عصاني جعلتهم عليه نقمة، فلا تشغلوا أنفسكم بسبب الملوك، ولكن توبوا أعطفهم عليكم )) (246) انتهى.
وهذا الأثر الذي ذكره في الإسرائيليات، وقد روي عن النبي ( مرفوعاً ،ولا يثبت (247)
وإنما أخرجه ابن أبي شيبة في (0 المصنف )) (248) بسند صحيح إلي مالك بن مغول، قال : كان في زابور داود : إني أنا الله لا إله إلا أنا ... بنحوه.
وقد جزم ابن الجوزي في (( العلل )) (249) أن هذا الكلام الوارد في بعض الكتب السابقة وتبعه على ذلك السخاوي في (( تخريج أحاديث العادلين )) (250) .


212 ) قاله شيخ الإسلام ابن تيمية (( الفتاوى )) : ( 28/179 ).
213 ) (( رفع الأساطين في حكم الاتصال بالسلاطين )) للشوكاني ( ص 81-82 ).
214 ) سورة لقمان الآية 17 .
215 ) سورة الأحقاف، الآية :35
216 ) سورة الطور، الآية : 48 .
217 ) (( بدائع السلك في طبائع الملك )) : ( 1/76 )
218 ) ( ص 38 )، ط. أنصار السنة.
219 ) سورة الأعراف، الآية : 137.
220 ) ينظر المصدر الآتي.
221 ) من كتاب (( آداب الحسن البصري )) لابن الجوزي : ( ص 119 – 120 )
222 ) سورة الشورى، الآية 30.
223 ) انتهي من كلام الآجري في الشريعة : ص ( 37 )
224 ) البخاري : ( 13/5 ) ومسلم ( 3/1477 ).
225 ) (13/7 ) .
226 ) البخارى :( 13/5 ) ،ومسلم : (3/1472 ) .
227 ) في (( شرح مسلم )) : ( 12/232 ) .
228 ) (( دليل الفالحين )) : ( 1/197 ).
229 ) البخاري : ( 13/5 )، ومسلم : ( 3/1474 ).
230 ) ( 12/235 )
231 ) (2/523 ) .
232 ) ذكره الحافظ ابن حجر في (( الفتح )) ( 13 /6 )، وسكت عنه وقد ذكره السيوطي في رسالته : (( ما رواه الأساطين في عدم المجيء إلي السلاطين )) : ( 17-48 ) ،ونسبه إلي الحكيم الترمذي في (( نوادر الاصول )). .
233 ) ( 2/659 )
234 ) ( 12/544 ) .
235 ) ( ص 111 )، وانظر : شرح الإمام الآجري على هذا الأثر في كتابه الشريعة ( ص 40 ) ط. أنصار السنة، و(( كتاب الأموال )) لابن زنجوية : ( 1/76 ).
236 ) (1/403 )
237 ) (( ص 279 )
238 ) (1/404 )
239 ) ( 11/100 ).
240 ) ( ص 280 ).
241 ) (ص 65 )
242 ) سورة الشورى، الآية : 30
243 ) سورة آل عمران، الآية : 165 .
244 ) سورة النساء، الآية 79.
245 ) سورة الأنعام، الآية 129.
246 ) ((شرح العقيدة الطحاوية )) : ( ص 368، ط 3، المكتب الإسلامي.
247 ) ينظر (( مجمع الزوائد )) : ( 5/294 ).
248 ) ( 13/187، 203 ).
249 ) ( 2/768 ).
250 ) ( ص 158 ).



الفصل السابع: في النهي عن سب الأمراء

الوقيعة في أعراض الأمراء، والاشتغال بسبهم، وذكر معا يبهم خطيئة كبيرة ،وجريمة شنيعة، نهى عنها الشرع المطهر، وذم فاعلها.
وهي نواة الخروج على ولاة الأمر، الذي هو أصل فساد الدين والدنيا معاً.
وقد علم أن الوسائل لها أحكام المقاصد، فكل نص في تحريم الخروج وذم أهله دليل على تحريم السب ،وذم فاعله.
وقد ثبت في (0 الصحيحين )) (251) من حديث أبي هريرة – رضي الله عنه -، عن النبي ( قال :
(( من كان يؤمن بالله واليوم الآخر، فليقل خيراً أو ليصمت ))
وفي (( الصحيحين )) (252) - أيضاً – نوعن أبي موسي الأشعري – رضي الله عنه -، قالو يا رسول الله ‍ أي الإسلام أفضل ؟ قال (( من سلم المسلمون من لسانه ويده )).
وقد ورد النهي عن سب الأمراء على الخصوص لما في سبهم من إذكاء نار الفتنة وفتح أبواب الشرور على الأمة وها هي النصوص في ذلك :
الدليل الأول :
أخرج الترمذي عن زياد بن كسيب العدوى قال : كنت مع أبي بكرة تحت منبر ابن عامر – وهو يخطب وعليه ثياب رقاق – فقال أبو بلال : أنظروا إلي أميرنا يلبس ثياب الفساق.
فقال أبو بكرة : اسكت، سمعت رسول الله ( يقول :
(( من أهان سلطان الله في الأرض أهانه الله )) (253)
الدليل الثاني :
قال ابن بشران في (( أمالية )) (254) أخبرنا دعلج بن أحمد : ثنا حامد بن محمد بن شعيب البلخي : ثنا سريج (255) بن يونس : ثنا مروان بن معاوية الفزاري، عن محمد ابن أبي قيس : ثنا أبو المصبح الجهني الحمصي، قال : جلست إلي نفر من أصحاب رسول الله ( وفيهم شداد أبن أوس، قال : فقالوا : إن رسول الله ( قال :
(( إن الرجل ليعمل بكذا وكذا من الخير ،وإنه لمنافق ))
قالوا : وكيف يكون منافقاً وهو مؤمن ؟ قال : (( يلعن أئمته ويطعن عليهم )).
رجاله ثقات، سوى محمد بن أبي قيس، وهو شامي، لم أعرفه، ولعله من المجاهيل، إذ مروان بن معاوية معروف بالرواية عنهم والله أعلم.
الدليل الثالث :
أخرج البزار في (( مسنده )) (256)، ومن طريقة الطبراني في (( المعجم الكبير )) (257) حدثنا محمد بن المثني : حدثنا إبراهيم بن سليمان الدباس : حدثنا مجاعة بن الزبير العتكي، عن عمرو البكالي، قال : سمعت رسول الله ( يقول :
(( إذا كان عليكم أمراء يأمرونكم بالصلاة والزكاة والجهاد، فقد حرم الله سبهم وحل لكم الصلاة خلفهم ))
قال الهيثمي في (( المجمع )) (258) : وفيه مجاعة بن الزبير العتكي، وثقه أحمد، وضعفه غيره، وبقية رجاله ثقات. ا هـ
قلت ضعفه الدرارقطني وذكره العقيلي في (( الضعفاء )) (259)، أم ابن عدي فقال : (( هو ممن يحتمل ويكتب حديثه )) (260) ا هـ.
وكان جاراً لشعبة بن الحجاج، وفيه يقول شعبة : هو كثير الصوم والصلاة (261).
وقد تابعه على هذا الحديث : صدقة بن طيسلة، كما عند أبي نعيم في (( معرفة الصحابة )) (262)، وصدقة ذكره أبي حاتم في (( الجرح والتعديل )) (263)، ولم يذكر فيه شيئاً.
وأخرجه البخاري في (( التاريخ الصغير )) (264)، ومحمد بن نصر في (( قيام الليل ))، وابن مندة – كما أفاد الحافظ في (( الإصابة )) (265) وأبو نعيم في (( معرفة الصحابة )) (266) من طريق الجريري عن أبي تميمة الهجيمي، أنه سمع عمر اً البكالي يقول :
(( إذا كانت عليكم أمراء يأمرونكم بالصلاة والزكاة، حلت لكم الصلاة خلفهم، وحرم عليكم سبهم )) ، وهذا لفظ أبي نعيم.
قال الحافظ في (( الإصابة )) (267) : وسنده صحيح.
قال : وأخرجه ابن السكن من هذا الوجه فقال : عمر بن عبد الله البكالي يقال : له صحبة، سكن الشام، وحديثه موقوف، ثم ساقه كما تقدم لكن قال : فسمعته يقول :
(( إذا أمرك الإمام بالصلاة ،والزكاة ،والجهاد، فقد حلت لك الصلاة خلفه ،وحرم عليك سبه )).
وقال أبو سعد الأشبح : حدثنا حفص بن غياث عن خالد الحذاء، وعن قلابة، عن عمرو البكالي – وكان من أصحاب رسول الله (، وكان ذا فقه – فذكر حديثاً موقوفاً ،وهذا سنده صحيح. ا ه.
الدليل الرابع :
قال ابن أبي عاصم – رحمه الله (268) - : حدثنا هدية بن عبد الوهاب : ثنا الفضل بن موسي : حدثنا حسين بن واقد، عن قيس ابن وهب، عن أنس بن مالك، قال : نهانا كبراؤنا عن أصحاب رسول الله (، قال :
(( لا تسبوا أمراءكم، ولا تغشوهم، ولا تبغضوهم، واتقوا الله واصبروا ،فإن الأمر قريب )).
إسناده جيد، ورجاله كلهم ثقات والحسن بن واقد ثقة له أوهام ،وقد توبع، فقد رواه ابن حبان في (( الثقات )) (269) ،وابن عبد البر في (( التمهيد )) (270) من طريق يحي ابن يمان، قال : حدثنا سفيان عن قيس بن وهب، عن أنس بن مالك – رضي الله عنه -، قال :
(( كان الأكابر من أصحاب رسول الله ( ينهوننا عن سب الأمراء )) سفيان : هو الثوري.
وقد روي هذا الأثر الحافظ أبو القاسم الأصبهاني، الملقب ب ( قوام السنة ) في كتابه (( الترغيب والترهيب )) (271) وكتابه (( الحجة في بيان المحجة وشرح عقيدة أهل السنة )) (272) ، من طريق على بن الحسين بن شقيق : حدثنا الحسين بن واقد، عن الأعمش، عن زيد بن وهب، عن أنس بن مالك – رضي الله عنه -، قال :
(( نهانا كبراؤنا من أصحاب رسول الله ( أن لا تسبوا أمراءكم، ولا تغشوهم، ولا تعصوهم ،واصبروا ،واتقوا الله – عز وجل -، فإن الأمر قريب (273) .
وبوب عليه في كتابه (( الحجة )) بقوله : (( فصل في النهي عن سب الأمراء والولاة وعصاينهم )) ا هـ.
كما أخرج هذا الأثر – أيضاً – البيهقي في كتابه (( الجامع لشعب الإيمان )) (274) من طريق قيس بن وهب، بلفظ :
(( أمرنا أكابرنا من أصحاب محمد ( أن لا نسب أمراءنا ... ))، الخ ،وإسناده جيد.
وأخرج أيضا- أبو عمرو الداني في (( السنن الواردة في الفتن (275).
ففي هذا الأثر : اتفاق أكابر أصحاب رسول الله ( على تحريم الوقيعة في الأمراء بالسب.
وهذا النهي منهم – رضي الله عنهم – ليس تعظيماً لذوات الأمراء وإنما لعظم المسئولية التي وكلت إليهم في الشرع، والتي لا يقام بها على الوجه المطلوب مع وجود سبهم والواقعية فيهم، لأن سبهم يفضي إلي عدم طاعتهم في المعروف وإلي إيغار صدور العامة عليهم مما يفتح مجالاً للفوضي التي لا تعود على الناس إلا بالشر المستطير ،كما أن مطاف سبهم ينتهي بالخروج عليهم وقتالهم وتلك الطامة الكبرى والمصيبة العظمي.
فهل يتصور بعد الوقوف على هذا النهي الصريح عن سب الأمراء – أن مسلماً وقر الإيمان في قلبه ،وعظم شعائر الله يقدم على هذا الجرم ؟ أو يسكت عن هذا المنكر ؟
لا نظن بمسلم هذا ولا نتصور وقوعه منه، لأن نصوص الشرع وما كان عليه صحابة رسول الله ( أعظم في قلبه من العواطف والانفعالات التي هي في الحقيقة إيحاءات شيطانية ونفثات بدعية لم يسلم لها إلا أهل الأهواء الذين لا قدر للنصوص في صدورهم بل لسان حالهم يقول : إن النصوص في هذا الباب قد قصرت ،( كَبُرَتْ كَلِمَةً تَخْرُجُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ إِن يَقُولُونَ إِلاَّ كَذِبا ( (276)
الدليل الخامس :
قال ابن أبي شيبة (277) – رحمه الله تعالي – حدثنا ابن عيينة، عن إبراهيم بن ميسرة عن طاووس قال :
ذكرت الأمراء عند ابن عباس، فانبرك (278) فيهم رجل فتطاول حتى ما رأي في البيت أطول منه.
فسمعت ابن عباس يقول (( لا تجعل نفسك فتنة للقوم الظالمين ))، فتقاصر حتى ما أري في البيت أقصر منه. ا هـ
الدليل السادس :
أخرج البيهقي في (( شعب الإيمان )) (279) ،وابن عبد البر في (( التمهيد )) (280) عن أبي الدرداء – رضي الله عنه – أنه قال :
(( إن أول نفاق المرء طعنه على إمامه )).
الدليل السابع :
أخرج ابن أبي عاصم في (( السنة )) (281)، عن أبي اليمان الهوزني، عن أبي الدرداء – رضي الله عنه -، قال :
(( إياكم ولعن الولاة، فإن لعنهم الحالقة، وبغضهم العاقرة ))
قيل : يا أبا الدرداء ! فكيف نصنع إذا رأينا منهم ما لا نحب ؟
قال : (( اصبروا ،فإن الله إذا رأي ذلك منهم حبسهم عنكم بالموت ))
رجاله ثقات، غير أبي اليمان الهوزني ،وأسمه عامر بن عبد الله بن لحي الهوزني الحمصي.
روي عن أبي أمامة وأبي الدرداء وأبيه عبد الله بن لحي وكعب الأحبار.
وعنه صفوان بن عمرو، وأبو عبد الرحمن الحلبي : عبد الله بن يزيد ، والشاميون.
ذكره ابن حبان في (( الثقات )) (282)
وقال ابن القطان : لا يعرف له حال (283)
وقال الحافظ ابن حجر : مقبول.
والأثر أخرجه ابن زنجويه في كتاب (( الأموال )) في الطريق نفسه (284)
الدليل الثامن :
جاء في (( التاريخ الكبير )) (285) للبخاري، عن عون السهمي، قال :
أتيت أبا أمامة فقال :
(( لا تسبوا الحجاج فإنه عليك أمير ،وليس على بأمير ))
قوله : ليس على بأمير ))، لأن أبا أمامة في الشام ،والحجاج والِ في العراق.
الدليل التاسع :
جاء في (( التاريخ الكبير )) (286) للبخاري – أيضا -، عن أبي جمرة الضبعي قال:
لما بلغني تحريق البيت خرجت غلي مكة، واختلفت إلي ابن عباس، حتى عرفني واستأنس بي، فسببت الحجاج عند ابن العباس فقال :
(( لا تكن عوناً للشيطان ))
الدليل العاشر :
أخرج ابن سعيد في (( الطبقات )) (287) : أخبرنا عبد الله بن إدريس عن محمد بن أبي أيوب عن هلال بن أبي حميد، قال : سمعت عبد الله بن عكيم يقول :
(( لا أعين على دم خليفة أبداً بعد عثمان )).
فيقال له : يا أبا معبد أو أعنت على دمه ؟ ! فيقول :
(( أني أعد ذكر مساوية عوناً على دمه ))
وأخرجه ابن أبي شيبة في (( المصنف )) (288) والفسوي في (( المعرفة والتاريخ )) (289)، عن ابن نمير ... به، وهذا إسناد صحيح.
الدليل الحادي عشر :
أخرج هناد في (0 الزاهيد )) (290) : حدثنا عبدة، عن الزبرقان، قال : كنت عند أبي وائل – شقيق بن سلمة -، فجعلت أسب الحجاج، وأذكر مساويه.
قال : (( لا تسبه، وما يدريك لعله يقول : اللهم اغفر لي فغفر له )).
الدليل الثاني عشر :
أخرج ابن أبي الدنيا في كتاب (( الصمت وآداب اللسان )) (291) ، وابن الأعرابي في (( معجمه )) (292) ،وأبو نعيم في (( الحلية )) (293) عن زائدة بن قدامة، قال : قلت لمنصور بن المعتمر : إذا كنت صائماً أنال من السلطان ؟
قال : لا قلت : فأنال من أصحاب الأهواء ؟
قال : (( نعم ))
الدليل الثالث عشر :
أخرج ابن عبد البر في (( التمهيد )) (294)، وأبو عمرو الداني في (( الفتن )) (295) عن أبي إسحاق السبيعي، أنه قال :
(( ما سب قوم أميرهم، إلا حرموا خيره )).
الدليل الرابع عشر :
أخرج أبو عمر الداني في (( السنن الواردة في الفتن )) (296) ، عن معاذ بن جبل، قال :
(( الأمير من أمر الله – عز وجل -، فمن طعن في الأمير فإنما يطعن في أمر الله – عز وجل ))
الدليل الخامس عشر :
أخرج ابن زنجويه في (( كتاب الأموال )) (297) بسند حسن، عن أبي مجلز، قال :
سب الإمام الحالقة لا أقول : حالقة الشعر، ولكن حالقة الدين )).
الدليل السادس عشر :
أخرج ابن زنجوية – أيضا – بسنده، عن أبي إدريس الخولاني أنه قال : (( إياكم والطعن على الأئمة فإن الطعن عليهم هي الحالقة، حالقة الدين ليس حالقة الشعر، ألا إن الطعانين هم الخائبون وشرار الأشرار )) (298)
الدليل السابع عشر :
ذكر ابن الجوزي في (( مناقب معروف الكرخي وأخباره )) (299) بسنده من طريق ابن حكمان، أن معروفاً قال :
(( من لعن إمامه حرم عدله )) (300)
وفي (( المنتظم في تاريخ الملوك والأمم )) (301) لابن الجوزي، أن خالد بن عبد الله القسري خطب يوم أن كان والياً على مكة، فقال : (( إني والله ما أوتي بأحد يطعن على إمامه إلا صلبته في الحرم )).
ففي هذه الآثار وما جاء في معناها – دليل جلي، وحجة قوية على المنع الشديد والنهي الأكيد عن سب الأمراء، وذكر معايبهم.
فليقف المسلم حيث وقف القوم فهم خير الناس بشهادة سيد الناس ( عن علم وقفوا وببصر نافد كفوا فما دونهم مقصر وما فوقهم محسر.
فمن خالف هذا المنهج السلفي، واتبع هواه، فلا ريب أن قلبه مليء بالغل إذ أن السباب والشتائم ينافي النصح للولاة، وقد ثبت عن النبي ( أنه قال :
(( ثلاث لا يغل عليهن قلب امرئ مسلم : إخلاص العمل لله، ومناصحة ولاة الأمر ولزوم جماعة المسلمين )) (302)
ومن ظن أن الوقوع في ولاة الأمر بسبهم وانتقاصهم من شرع الله – تعالي – أو من إنكار المنكر ونحو ذلك، فقد ضل وقال على الله وعلى شرعه غير الحق، بل هو مخالف لمقتضي الكتاب والسنة، وما نطقت به آثار سلف الأمة.
فالواجب على من وقف على هذه النصوص الجليلة أن يزجر كل من سمعه يقع في ولاة الأمر حسبه لله – تعالي -، ونصحاً للعامة.
وهذا هو فعل أهل العلم والدين، يكفون ألسنتهم عن الولاة ويأمرون الناس بالكف عن الوقوع فيهم، لأن العلم الذي حملوه دلهم على ذلك وأرشدهم إليه.
وقد ذكر العلامة ابن جماعة أن من حقوق ولاة الأمر :
(( رد القلوب النافرة عنه إليه، وجمع محبة الناس عليه، لما في ذلك من مصالح الأمة ،وانتظام أمور الملة.
والذب عنه بالقول والفعل وبالمال والنفس والأهل في الظاهر والباطن، والسر والعلانية )) (303) ا هـ.
هذا وإن أكثر الناس إنما يقعون في أمرائهم بالسب ويعصونهم بسبب الدنيا إن أعطوا منها رضوا ،وإن لم يعطوا منها إذا هم يسخطون.
ومن هذه حاله فإن جرمه أشد، إذ قد جمع ألواناً من البلايا، وباء بأثم عظيم :
ففي (( الصحيحين )) (304) من حديث أبي هريرة – رضي الله عنه – قال : قال رسول الله ( :
(( ثلاثة لا يكلمهم الله يوم القيامة ولا ينظر إليهم ولا يزكيهم ولهم عذاب أليم : رجل على فضل ماء بالفلاة يمنعه من ابن السبيل ،ورجل بايع رجل بسلعة بعد العصر فحلف له بالله لأخذها بكذا وكذا فصدقه ،وهو على غير ذلك، ورجل بايع إماماً لا يبايعه إلا لدنيا، فإن أعطاه منها وفي وإن لم يعطه منها لم يف )).
قال شيخ الإسلام – رحمه الله تعالي - :
(( فطاعة الله ورسوله واجبة على كل أحد، وطاعة ولاة الأمور واجبة لأمر الله بطاعتهم.
فمن أطاع الله ورسوله بطاعة ولاة الأمر لله، فأجره على الله .
ومن كان لا يطيعهم إلا لما يأخذ من الولاية والمال فإن أعطوه أطاعهم وإن منعوه عصاهم، فما له في الآخرة من خلاق .... )) (305) انتهي.
وقد روي ابن عساكر في (( تاريخ دمشق )) (306) والتبريزي في (( النصيحة )) (307) أن ابن مبارك – رحمه الله تعالي -، قال :
(( من استخف بالعلماء ذهبت أخرته، ومن استخف بالأمراء، ذهبت دنياه ،ومن استخف بالأخوان ذهبت مروءته ))

من بدأ بالطعن على أئمة المسلمين ؟
الطعن في الأمراء - تحت شعار الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر – بدعة سبئية، ابتدأها عبد الله بن سبأ، لتفريق الأمة وإشعال الفتن بين أبنائها ،وكان نتاج بدعته هذه : قتل خليفة المسلمين عثمان بن عفان – رضي الله عنه -.
قال ابن عساكر في (( تاريخ دمشق )) (308) : عبد الله بن سبأ الذي ينسب إليه السبيئة – وهم الغلاة من الرافضة -، وأصله من أهل اليمن، كان يهودياً ،وأظهر الإسلام ،وطاف بلاد المسلمين، ليلفتهم عن طاعة الأئمة ويدخل بينهم الشر، وقد دخل دمشق لذلك في زمن عثمان بن عفان. ا هت.
قلت : طاف بن سبأ البلاد لذلك، فبدأ بالحجاز، ثم البصرة ثم الكوفة ثم الشام، فأخرجه أهلها منها، فأتي مصر، وزعم أن محمداً ( يرجع وهو أحق بالرجوع من عيسي – عليه السلام -، فقبل ذلك منه، ثم زعم أن على بن أبي طالب – رضي الله عنه وأرضاه – وصي رسول الله ( ثم قال بعد ذلك :
(( من أظلم ممن لم يجز وصية رسول الله ( ووثب على وصي رسول الله (، ثم تناول أمر الأمة ))، ثم بعد ذلك قال :
(( إن عثمان ابن عفان قد جمع أموالاً أخذها بغير حقها، وهذا وصي رسول الله ( - يشير إلي على بن أبي طالب – فانهضوا في هذا الأمر فحركوه، وابدؤوا بالطعن على أمرائكم، وأظهروا الأمر بالمعروف ،والنهي عن المنكر واستميلوا الناس، وادعوا إلي هذا الأمر )).
فبث دعاةً، وكاتب من كان استفسد في الأمصار، وكاتبوه ودعوا في السر إلي ما عليه رأيهم (309) وأظهروا الأمر بالمعروف وجعلوا يكتبون إلي الأمصار بكتب يضعونها في عيوب ولاتهم (310) ويكاتبون إخوانهم بمثل ذلك، فكتب أهل كل مصر فيهم غلي أهل مصر آخر ما يصنعون، فيقرؤه أولئك في أمصارهم، وهؤلاء في أمصارهم، حتى تناولوا بذلك المدينة وأوسعوا الأرض إذاعة.
وهم يريدون غير ما يظهرون ويسرون غير ما يبدون، فيقول أهل كل مصر : إنا لفي عافية مما ابتلي به هؤلاء، إلا أهل المدينة فإنهم جاءهم ذلك عن جميع أهل الأمصار، فقالوا : إنا لفي عافية مما الناس فيه (311)
فأتوا عثمان فقالوا : يا أمير المؤمنين، أيأتيك عن الناس الذي يأتينا ؟
قال : لا والله ما جاءني إلا السلامة.
قالوا : فإنا قد أتانا ن وأخبروه بالذي أسقطوا إليهم.
قال : فأنتم شركائي، وشهود المؤمنين، فأشيروا علي.
قالوا : نشير عليك أن تبعث رجالاً ممن تثق بهم من الناس إلي الأمصار، حتى يرجعوا إليك بأخبارهم .
فدعا محمد بن مسلمة، فأرسله إلي الكوفة ،وأرسل أسامة ابن زيد إلي البصرة، وأرسل عمار بن ياسر إلي مصر وأرسل عبد الله ابن عمر إلي الشام، وفرق رجالاً سواهم، فرجعوا جميعاً قبل عمار.
وقالوا : أيها الناس، والله ما أنكرنا شيئاً، ولا أنكره أعلام المسلمين ولا عوامهم.
وقالوا جميعاً - : الأمر أمر المسلمين إلا أن أمرائهم يقسطون بينهم ويقومون عليهم.
واستبطأ الناس عماراً حتى ظنوا أنه قد اغتيل واشتهروه.
فلم يفاجئهم إلا كتاب من عبد الله بن سعد بن أبي سرح يخبرهم أن عماراً قد استماله قوم بمصر وقد انقطعوا إليه فيهم عبد الله بن السوداء، وخالد بن ملجم وسودان بن حمران، وكنانة بن بشر، يريدونه على أن يقول بقولهم يزعمون أن محمداً راجع ويدعونه إلي خلع عثمان ويخبرونه أن رأي أهل المدينة على مثل رأيهم، فإن رأي أمير المؤمنين أن يأذن لي في قتله وقتلهم قبل أن يتابعهم.
فكتب إليه عثمان لعمري إنك لجريء يا ابن أم عبد الله والله لا أقتله، ولا أنكاه، ولا إياهم، حتى يكون الله – عز وجل – ينتقم منهم ومنه بمن أحب، فدعهم، ما لم يخلعوا يداً من طاعة، ويخوضوا ويلعبوا.
وكتب عثمان ابن عمار : إني أنشدك الله أن تخلع يداً من طاعة أو تفارقها فتبوء بالنار.
ولعمري إني على يقين من الله تعالي لأستكملن أجلي ولأستوفين رزقي غير منقوص شيئا ً من ذلك فيغفر الله لك.
فثار أهل مصر فهموا بقتله وقتل أولئك، فنهاهم عنه عبد الله ابن سعد وأقر عماراً حتى أراد القفل، فحمله وجهزه بأمر عثمان فلما قدم على عثمان، قال :
يا أبا اليقظان قذفت ابن أبي لهب أن قذفك وغضبت على أن أوطأك فعنفك وغضبت على أني أخذت لك بحقك وله بحقه، اللهم إني قد وهبت ما بين أمتي وبيني من مظلمة، اللهم إني مقترب إليك بإقامة حدودك في كل أحد ولا أبالي، أخرج عني يا عمار، فخرج، فكان إذا لقي العوام نضح عن نفسه، وانتقل من ذلك (312) وإذا لقي من يأمنه أقر بذلك، وأظهر الندم، فلامه الناس، وهجروه، وكرهوه.


251 ) البخاري : ( 1/445-531، الفتح )، مسلم ( 1/68 ).
252 ) البخاري : ( 1/54، الفتح )، مسلم : ( 1/65 ) .
253 ) تقدم تخريجه
254 ) (ص 78)
255 ) في المطبوع : ( شريح ) وهو خطأ .
256 ) (( زوائد البزار )) ( 1 ).
257 ) (17/43-44 ) .
258 ) (5/221 ).
259 ) (4/255 )وينظر (( ميزان الاعتدال ))(3/437).
260 ) (( الكامل )) (6/2420 ).
261 ) المصدر السابق.
262 ) (4/2027 )
263 ) (4/433 ) .
264 ) (1/203 ) .
265 ) ( 7/152 ).
266 ) (4/2027 )
267 ) (7/152 ).
268 ) ((السنة )) (2/488).
269 ) ( 5/314-315 ) .
270 ) ( 21/287 ) .
271 ) ( 3/68 )
272 ) (2/406 ).
273 ) ورد عن أبي أمامة عن النبي ( قال : (( لا تسبوا الأئمة وادعوا الله لهم بالصلاح، فإن صلاحهم لكم صلاح )) ينظر (( فيض القدير )) : ( 6/398 -399 )
وأخرج البيهقي في (( الجامع )) : ( ( 13/71 ) والعقيلي في (( الضعفاء )) ( 3/59-60 ) عن أبي عبيدة بن الجراح – رضي الله عنه – مرفوعاً - : (( لا تسبوا السلطان فيء الله في أرضه ))، وإسناده ضعيف جداً.
274 ) ( 13/186-202 ).
275 ) ( 1/398 ) .
276 ) سورة الكهف الآية 6
277 ) (( المصنف )) : ( 15/75 )، ( 11/137-138 ).
278 ) انبرك الرجل في عرض أخيه يقصبه إذا اجتهد في ذمه. ا هـ من (( تهذيب اللغة )) ( 10/229 ).
279 ) (7/48 ) ط زغلول.
280 ) ( 21/287 ).
281 ) ( 2/488 ).
282 ) (5/188 ).
283 ) ((التهذيب )) : ( 5/75 ).
284 ) (( الأموال )) : ( 1/79 ).
285 ) (7/18) .
286 ) ( 8//104 )
287 ) ( 6/115 ).
288 ) (12/47 ).
289 ) ( 1/231-232 ).
290 ) ( 1/464 ).
291 ) ( ص 145 ).
292 ) ( 2//815 ).
293 ) ( 5/41-42 ).
294 ) ( 21/287 ).
295 ) ( 1/405 ).
296 ) ( 1/404 ).
297 ) ( 1/78 ).
298 ) (( الأموال )) : ( 1/80 ).
299 ) ( 132 )
300 ) (ينظر (( طبقات الحنابلة )) لابن أبي يعلى ( 1/386 ).
301 ) (6/299 )، حوادث سنة إحدى وتسعين.
302 ) (( مسند الإمام أحمد )) : ( 4/80-82 ) من حديث جبير بن مطعم .
303 ) (( تحرير الأحكام في تدبير أهل الإسلام )) : ( ص 64 ) ،وقد تقدم سرد جميع هذه الحقوق ( ص 74 ).
304 ) البخاري : ( 13/201 ) ومسلم : ( 1/103 ).
305 ) (( مجموع فتاوى ابن تيمية )) : ( 35/16-17 ).
306 ) ( 32/444 ).
307 ) ( ص 97 ).
308 ) ( 29/3 ).
309 ) (هكذا أهل المذاهب الرديئة يسرون بالذي هم عليه، حال وجود دولة الإسلام وعلماء المسلمين.
310 ) وهذا ما عرف في زماننا بالمنشورات ن حيث يكتب أهل الفتن أوراقاً في الطعن على الولاة ،ويبثونها بين الناس، بل في زماننا قد يكتبون ذلك على ألسنة غيرهم من الكفار العلمانيين، زعموا أن ذلك وسيلة للدعوة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر !!
311 ) إلي هنا رواية سيف بن عمر الضبي، عن شيخة عطية بن الحارث الهمداني وما بعده يرويه سيف عن عطية – وأيضاً – عن محمد بن عبد الله بن سواد ،وطلحة ابن الأعلم الحنفيب كما جاء ذلك في رواية ابن عساكر.
312 ) نضح عن نفسه : دافع عنها ،وانتقل من ذلك : تبرأ منه / والمقصود بذلك : عمار. بخلاف ما تفضل به الدكتور الفاضل سليمان بن حمد العودة في كتابه (( عبد الله بن سبأ وأثره في أحداث الفتنة في صدر الإسلام )) ( ص 151 ) من أن المراد بذلك عثمان – رضي الله عنهم أجمعين.



الفصل الثامن: في عقوبة المثبط عن ولي الأمر والمثير عليه

التثبيط عن ولي الأمر له صور عديدة بعضها أشد من بعض ،وكذلك إثارة الرعية عليه.
فإذا دعا رجل إلي التثبيط – أو الإثارة -، فإن لولي الأمر إيقاع العقوبة المتلائمة مع جرمه، من ضرب، أو حبس، أو نفي ... أو غير ذلك، لأن التثبيط والإثارة من أعظم مقدمات الخروج والخروج من أشنع الجرائم وأبشعها، فكان ما يفضي إليه كذلك.
قال الشوكاني – رحمه الله في شرح قول صاحب (( الأزهار )) :
(( ويؤدب من يثبط عنه، فالواجب دفعه عن هذا التثبيط، فإن كف، وإلا كان مستحقاً لتغليظ العقوبة، والحيلولة بينه وبين من صار يسعى لديه بالتثبيط بحبس أو غيره، لأنه مرتكب لمحرم عظيم، وساع في إثارة فتنة تراق بسببها الدماء، وتهتك عندها الحرم ،وفي هذا التثبيط نزع ليده من طاعة الإمام.
وقد ثبت في الصحيح عنه ( ،أنه قال :
(( من نزع يداً من طاعة الإمام، فإنه يجيء يوم القيامة ولا حجة له، ومن مات وهو مفارق للجماعة، فإنه يموت موتة جاهلية )) (313) ا هـ.
وقال ابن فرحون في (( تبصرة الحكام )) (314)
من تكلم بكلمة لغير موجب في أمير من أمراء المسلمين لزمته العقوبة الشديدة ،ويسجن شهراً.
ومن خالف أمير اً، وقد كرر دعوته، لزمته العقوبة الشديدة بقدر اجتهاد الإمام. ا هـ
وقد ذكر ابن الأزرق بعض المخالفات التي من الرعية ف يحق السلطان، فقال:
(( المخالفة الثانية : الطعن عليه، وذلك لأمرين :
أحدهما : أنه خلاف ما يجب له من الجلة والتعظيم، فقد قيل : من إجلال الله إجلال السلطان، عادلاً كان أو جائراً.
ومن كلام الصاحب بن عباد : تهيب السلطان فرض أكيد، وحتم على من ألقى السمع وهو شهيد.
الثاني : أن الاشتغال به سبب تسليط السلطان، وجزاء على المخالفة بذلك، ففي بعض الكتب أن الله – تعالي – يقول :
(( إنني أنا الله، ملك الملوك، قلوب الملوك بيدي، فمن أطاعني جعلتهم عليه نعمة ،ومن عصاني جعلتهم عليه نقمة، فلا تشغلوا بسبب الملوك ،ولكن توبو إلي أعطفهم عليكم )) (315)
والمخالفة الثالثة : الافتيات عليه في التعرض لكل ما هو منوط به، ومن أعظمه فساداً تغيير المنكر بالقدر الذي لا يليق إلا بالسلطان، لما في السمح به والتجاوز به إلي التغيير عليه.
وقد سبق أن من السياسة تعجيل الأخذ على يد من يتشوق لذلك، وتظهر منه مبادئ الاستظهار به، وإن كان لا ينجح له سعي ولا يتم له غرض ...)) (316) ا هـ
وبهذا يعلم أن إثارة الرعية على الولاة وتأليب العامة عليهم داء عضال، تجب المبادرة إلي كيه وورم خبيث يتعين استئصاله لئلا يستفحل فيخرج خبثه، فتسحتكم البلية، وتعظم الرزية، ولا ينفع الندم عندئذ.
فإن المثير والمثبط كفارة السد إن تركت أغرقت العباد والبلاد وأشعت في الأرض الفساد.
فيتعين على الناس عموماً : التكاتف لدفع المثير الساعي إلي الفتنة ،وعزله كما تعزل الجرباء، ونفيه من المجتمع كل حسب جهده وطاقته.
وهذا من أفضل الأعمال وأجل القرب إلي الله تعالي، إذ به يندفع شر عظيم وتطفأ فتنة عمياء.
نعوذ بالله من الفتن ما ظهر منها وما بطن.


313 ) (( السيل الجرار المتدفق على حدائق الأزهار )) ( 4/514 ).
314 ) (( 1/227 )
315 ) ( ( سبق الكلام عنه وقد ذكره شيخ الإسلام في (( منهاج السنة )) : ( 3/133 )، فقال : (( وفي الأثر المعروف ... )).
316 ) (( بدائع السلك في طباع الملك )) لأبي عبد الله بن الأزرق ( 896 هـ ) ( 2/45 ).



الفصل التاسع: أداء العبادات مع الولاة
الصلاة :
أخرج ابن أبي شيبة في (( المصنف )) (317) ، عن الأعمش إبراهيم النخعي – رحمه الله – أنه قال :
(( كانوا يصلون خلف الأمراء ما كانوا )).
هذا إخبار عن عمل الصحابة – رضي الله تعالي عنهم -، فقد كانوا يصلون خلف الأمراء حتى لو كانوا فجرة فسقة، بل ينكرون على من لا يصلي خلفهم ،ويحتجون عليه بسنة رسول الله (، ففي (( مصنف ابن أبي شيبة )) (318) عن إبراهيم بن أبي حفصة قال : قلت لعي بن حسين : إن أبا حمزة الثمالي – وكان فيه غلو – يقول : لا نصلي خلف الأئمة ولا نناكح إلا من يري مثل ما رأينا فقال على بن حسين (( بل نصلي خلفهم ونناكحهم بالسنة ))
وأنكر سفيان الثوري على الحسن بن صالح بن حي تركع صلاة الجمعة خلف الأئمة (319)
بل ذكر عند بشر بن الحارث : عبد الرحمن بن عفان الصوفي، فقال : سمعت حفص بن غياث يقول : هؤلاء يون السيف – أحسبه عن ابن حي وأصحابه -، ثم قال بشر : هات من لم ير السيف من أهل زمانك كلهم إلا قليل ولا يرون الصلاة – أيضاً – ثم قال :
كان زائدة يجلس في المسجد يحذر الناس من ابن حي وأصحابه، قال : كانوا يرون السيف (320) .
ولما وقعت الفتنة في زمن أمير المؤمنين عثمان بن عفان – رضي الله عنه – فحاصره الخوارج في بيته بالمدينة، دخل عليه عبيد الله بن عدى بن الخيار، فقا لله : إنك إمام عامة، ونزل بك ما نرى، ويصلي لنا إمام فتنة ونتحرج ؟
فأجابه عثمان رضي الله عنه – بتأكد الصلاة خلفه، حيث قال :
(( الصلاة أحسن ما يعمل الناس، فإذا أحسن الناس، فأحسن معهم، وإذا أساءوا فاجتنب إساءتهم )).
رواه البخاري في (( صحيحه ))، قال : وقال لنا محمد بن يوسف : حدثنا الأوزعي : حدثنا الزهري ... به (321)
قوله : (( إمام فتنة ))، هو كنانة بن بشر، أحد الخوارج على عثمان – رضي الله عنه -، رواه سيف بن عمر في كتاب (( الفتوح )) (322)
وقوله (0 نتحرج )) : التحرج : التأثم، أي : نخاف من الوقوع في الإثم.
وفي رواية ابن المبارك : (( وإنا لنتحرج من الصلاة معه )) (323).
). بوب البخاري – رحمه الله تعالي - - على هذا الأثر فقال : (( باب إمامة المفتون، والمبتدع )) ا هـ.
قال الحافظ (( في الفتح )) (324) (( المفتون أي الذي دخل في الفتنة فخرج على الإمام.
قال : وفي هذا الأثر الحض على شهود الجماعة، ولا سيما في زمن الفتنة لئلا يزداد تفرق الكلمة )) ا هـ.
وهكذا من جاء بعد عثمان من كبار علماء الصحابة – رضي الله عنهم -، كانوا يصلون خلف الأمراء، ويعتدون بها.
وتابعوهم على ذلك – أيضاً – فابن عمر صلي خلف الحجاج ابن يوسف، وهكذا أنس بن مالك (325).
وصلي ابن عمر خلف نجدة الحروري، رواه ابن أبي زمنين (326).
وصلي الحسن والحسن خلف مروان ابن أبي شيبة في (0 المصنف )) (327).
وصلي سعيد بن جبير خلف الحجاج، رواه ابن أبي شيبة – أيضاً - (328).
وبناء على هذا وغيره من الآثار – جاء اعتقاد السلف مصرحاً بمدلول ما ورد في هذا الباب مودعاً في (( العقائد )) التي نقلها السلف، ودونها.
وقد خص أكثر السلف الحديث عن صلاة الجمعة والعيدين خلف الأمراء، إذ صلاة الفرض غير الجمعة، لا يفتقد من صلاها مع غير الإمام، لكثرة المساجد وصحة إقامة أكثر من جماعة في البلد.
أما الجمعة فلا يجوز إقامة أكثر من جمعة في البلد خشية التفرق، إلا لحاجة ملحة، كسعة البلد وتباعد أطرافه.
فلما كان الأصل في الجمعة والعيدين عدم تعددها، نص السلف على صلاتها خلف الأمراء.
جاء في معتقد الإمام سفيان الثوري – رحمه الله – الذي رواه عنه شعيب بن حرب :
(( يا شعيب : لا ينفعك ما كتبت حتى تري الصلاة خلف كل بر وفاجر.
قال شعيب لسفيان : يا أبا عبد الله : الصلاة كلها ؟
قال : لا، ولكن صلاة الجمعة والعيدين، صل خلف من أدركت.
وأما سائر ذلك فأنت مخير لا تصل إلا خلف من تثق به، وتعلم أنه من أهل السنة والجماعة ... )) أخرجه اللالكائي في (( أصول اعتقاد أهل السنة )) (329)
وأخرج - أيضاً - (330) في اعتقاد الإمام أحمد بن حنبل، الذي رواه عنه عبدوس بن مالك العطار، أنه قال :
وصلاة الجمعة خلفه وخلف من ولي جائزة، تامة ركعتين، من أعاداهما فهو مبدع، تارك للآثار، مخالف للسنة، وليس له من فضل الجمعة شيء إذا لم ير الصلاة خلف الأئمة من كانوا برهم وفاجرهم.
فالسنة أن تصلي معهم ركعتين، من أعادهما فهو مبتدع وتدين بأنها تامة، ولا يكن في صدرك من ذلك شك )) ا هـ.
وحكى حرب إجماع أهل العلم على ذلك، في (( مسائلة )) المشهور والتي جاء فيها :
(( هذه مذاهب أهل العلم وأصحاب الأثر، وأهل السنة المتمسكين بها، المقتدي بهم فيها، من لدن أصحاب النبي ( إلي يومنا هذا، وأدركت من أدركت من علماء أهل الحجاز والشام وغيرهم عليها.
فمن خالف شيئاً من هذه المذاهب، أو طعن فيها، أو عاب قائلها، فهو مخالف مبتدع، خارج عن الجماعة، زائل عن منهج السنة وسبيل الحق.
قال : وهو مذهب أحمد، وإسحاق بن إبراهيم، وعبد الله بن مخلد وعبد الله بن الزبير الحميدي ،وسعد بن منصور، وغيرهم ممن جالسنا ،وأخذنا عنهم العلم، وكان من قولهم .... والجمعة والعيدان، والحج مع السلطان، وإن لم يكونوا بررة عدولاً أتقياء، ودفع الصدقات، والخراج والأعشار والفيء، والغنائم إليهم، عدلوا فيها، أو جاروا ... ا هـ (331)
وقد بوب أبو داود في (( سننه )) (332) كتاب الجهاد : باب في الغزو مع أئمة الجور، ذكر فيه حديثين ضعيفين، أحدهما عن مكحول، عن أبي هريرة، قال : قال رسول الله ( :
(( الجهاد واجب عليكم مع كل أمير براً كان أو فاجراً، وإن عمل الكبائر ))
الزكاة :
كانت الصدقات تدفع إلي رسول الله (، وإلي من أمر بها، ثم إلي أبي بكر ثم إلي عمر ثم إلي عثمان، فلما قتل عثمان اختلفوا، فمنهم من اختار أن يقسمها ومنهم من اختار دفعها للسلطان (333) ،وأما إن طلبها السلطان، فيجب دفعها إليه.
وأكثر السلف على أن دفع زكاة المواشي إلي السلطان ذكره عنهم أبو حاتم الرازي، وأبو زرعة الرازي (334)
وقال ابن زنجوية في (0 الأموال )) (335) :
(( أحسن ما سمعنا في زكاة الورق والذهب أنه كان الإمام عدلاً، دفعها إليه، لأن السنة قد مضت بذلك.
وإن كان غير عدل، تولي قسمتها بنفسه.
ولو أخذها منه وهو غير عدل، أجزأ ذلك، ولم يكن عليه أن يتولى قسمتها بنفسه مرة أخرى )). ا هـ.
وقد أخرج مسلم في (( صحيحه )) (336)، عن جرير بن عبد الله، قال : جاءنا ناس من الأعراب إلي رسول الله ( فقالوا : إن ناسا(من المصدقين (337) يأتوننا فيظلموننا، قال : فقال رسول الله ( :
(( أرضوا مصدقكم )).
قال جرير ما صدر عني مصدق منذ سمعت هذا من رسول الله ( إلا وهو عني راض.
فيه من العلم : أن السلطان الظالم لا يغالب باليد، ولا ينازع بالسلاح. (338)
وأخرج أبو داود في (( سننه )) (339) ، عن بشير بن الخصاصية – رضي الله عنه – قال : قلنا : إن أهل الصدقة يعتدون علينا، أفنكتم من أموالنا بقدر ما يعتدون علينا ؟ فقال : (( لا )).
ثم رواه أبو داود – مرفوعاً – إلي النبي (
وفي إسناده ديسم الدوسي، لم يوثقه سوى ابن حبان.
قال الخطابي ،في (0 معالم السنن )) (340) : (( وفي هذا تحريض على طاعة السلطان ،وإن كان ظالماً، وتوكيد لقول من ذهب إلي أن الصدقات الظاهرة لا يجوز أن يتولاها المرء بنفسه، ولكن يخرجها إلي السلطان )). ا هـ.
وأخرج عبد الرازق في (0 المصنف )) (341) وعبد الرحمن بن القاسم في (( المدونة )) (342) وابن أبي شيبة في(( المصنف )) (343) وابن زنجوية في (( الأموال )) (344) ، والبيهقي في (0 السنن)) (345)، عن سهيل بن أبي صالح، عن أبيه قال :
(( اجتمع عندي ما ل، قال : فذهبت إلي ابن عمر، وأبي هريرة ،وأبي سعيد الخدري وسعد بن أبي وقاص، فأتيت كل رجل منهم وحدة، فقلت :
إنه اجتمع عندي مال، وإن هؤلاء يضعونها حيث ترون، وإني قد وجدت لها موضعاً فكيف تري ؟ فكلهم قالوا : أدها إليهم )) هذا لفظ عبد الرازق.
وأخرج ابن أبي شيبة (346) وأبو عبيد في (0 الأموال )) (347) ‘ وابن زنجوية (348) عن ابن عمر، أنه قال :
((ادفعوا زكاة أموالكم إلي من ولاة الله أمركم، فمن بر فلنفسه ، ومن أثم فعليها )).
وأخرج ابن قتيبة في (( عيون الأخبار )) (349) عن العجاج – وهو عبد الله العجاج بن رؤبة (350)، ((قال :قال لي أبو هريرة :
من أنت ؟قال :قلت :من أهل العراق
قال يوشك أن يأتيك بقعان (351) الشام، فيأخذوا صدقتك، فإذا أتوك ،فتلقهم بها ،فإذا دخلوها ،فكن في أقاصيها ،وخل عنهم وعنها ،وإياك وأن تسبهم، فإنك إن سببتهم ذهب أجرك وأخذوا صدقتك، وأن صبرت جاءتك في ميزانك يوم القيامة.
وفي رواية أخري، أنه قال : (( إذا أتاك المصدق فقل : خذ الحق ودع الباطل، فإن أبى فلا تمنعه إذا أقبل، ولا تلعنه إذا أدبر فتكون عاصياً خفف عن ظالم )).
الحج والجهاد :
قال حرب في (( عقيدته )) التي ذكر إجماع السلف على ما جاء فيها :
(( والجهاد ماض قائم مع الأئمة بروا أو فجروا، ولا يبطله جور جائر ولا عدل عادل، والجمعة والعيدان والحج مع السلطان وإن لم يكونوا بررة عدولا أتقياء .. )) ا هـ (352)
وقال الإمامان أبو حاتم وأبو زرعة – رحمهما الله تعالي - :
(( أدركنا العلماء في جميع الأمصار حجازاً وعراقاً، ومصراً، وشاماً ويمناً فكان من مذهبهم :
نقيم فرض الحج مع أئمة المسلمين، لا يبطله شيء، والحج كذلك (353). ا هـ.
ومما تقدم يتضح ما عليه أئمة الإسلام من الأمر بالصلاة خلف الأمراء أبراراً كانوا أو فجاراً ،ودفع الزكاة إليهم، ومن الحج والجهاد معهم، وكل ذلك قامت عليه أدلة شرعية من الوحيين الشريفين، وبه يعلم كمال دين الله – تعالي – الإسلام، حيث أمر بتحصيل المصالح ودرء المفاسد، ولو وكل الله تعالي الأمر إلي الخوارج - ومن تأثر بهم – لما قامت في الإسلام جمعة ولا جماعة، ولما حج بيت الله الحرام، ولا جاهد المسلمون الكفار.
والحجة في ذلك الإجماع البين من السلف الصالح، والآثار الكثيرة عن الصحابة – رضي الله عنهم – فقد أخرج ابن أبي شيبة في (( المصنف )) (354)، ، عن أبي حمزة قال : سألت ابن عباس عن الغزو مع الأمراء، وقد أحدثوا ؟ فقال :
(( تقاتل على نصيبك من الآخرة، ويقاتلون على نصيبهم من الدنيا )).
وأخرج – أيضاً – عن سليمان اليشكري، عن جابر قال : قلت له : أغزو أهل الضلالة مع السلطان ؟ قال :
(( اغز، فإنما عليك ما حملت، وعليهم ما حملوا )).
وفيه – أيضاً – عن ابن سيرين ،والحسن سئلا عن الغزو مع أئمة السوء، فقالا :
(( لك شرفه وأجره وفضله، وعليهم إثمهم )).
وفيه – أيضاً -، عن محمد بن عبد الرحمن بن يزيد النخعي ،قال ((قلت لأبي :يا أبة في إمارة الحجاج تغزو ؟ قال :يا بني لقد أدركت أقواماً أشد بغضاً منكم للحجاج، وكانوا لا يدعون الجهاد على حال ولو كان رأي الناس في الجهاد مثل رأيك، ما أري الإتاوة – يعني : الخراج - )).
وأخرج سعيد بن منصور في (( سننه )) (355)، عن المغيرة قال : (( سئل – أي : إبراهيم النخعي – عن الغزو مع بني مروان ،وذكر ما يصنعون ؟ فقال :
(( إن عرض به إلا الشيطان ليثبطهم عن جهاد عدوهم )).


317 ) ( 2/378 ).
318 ) ( 2/379 ).
319 ) (( سير أعلام النبلاء )) ( 7/363 ).
/ ) المصدر السابق ( 7/364 ).
321 ) ( 1/17، 171 ).
322 ) (( فتح الباري )) ( 2/189 )
323 ) المصدر السابق.
324 ) ( 2/188).
325 ) تقدم أن ابن عمر كان زمن الفتنة لا يأتي أمير إلا صلي خلفه ،وأدى إليه زكاة ماله ( ص 25-26 ).
326 ) (( أصول السنة )) ( ص 283 )
327 ) ( 2/378 ).
328 ) المصدر السابق : وتقدم حديث عمر البكالي مرفوعاً : (( إذا كان عليكم أمراء يأمرونكم بالصلاة والزكاة والجهاد فقد حرم الله عليكم سبهم، وحل لكم الصلاة خلفهم ))، ينظر ( ص 147 -149 ).
329 ) ( 1/154 ) .
330 ) ( 1/161 )، وينظر : (( المسائل والرسائل المروية عن الإمام أحمد بن حنبل )) ( 2/6-7 ).
331 ) نقلها كاملة ابن القيم في (0 حادي الأرواح )) ( ص 399 ).
332 ) ( 3/40).
333 ) أخرجه عبد الرزاق في (( المصنف )9 ( 4/47 )، وابن زنجوية في (( الأموال )) ( 3/1147 ) عن ابن سيرين .... به.
334 ) (( عقيدتهما )) ( ص 179 ).
335 ) ( 3/1161 ).
336 ) ( 2/685،686 ).
337 ) هم السعاة العاملون على الصدقات .
338 ) ينظر (( معالم السنن ( 2/202 ).
339 ) ( 2/244 ).
340 ) ( 2/201 ).
341 ) ( 4/46 ).
342 ) ( 1/85 ).
343 ) ( 3/156 ).
344 ) ( 3/1148 ).
345 ) ( 4/115 ).
346 ) ( 3/156 ).
347 ) ( ص 680 ).
348 ) ( 3/1149 ).
349 ) ( 1/7 )، ونحوه في (( مصنف عبد الرازق )) ( 4/16 ).
350 ) ينظر (( التاريخ الكبير )) للبخاري (7/97 )، و(( ثقات ابن حبان )) ( 5/287 ).
351 ) بالضم : خدمهم وعبيدهم، سموا بذلك لاختلاف ألوانهم وتناسلهم من جنسين .
352 ) ينظر (( حادي الأرواح )) ( ص 401 ).
353 ) (( عقيدتهما )) ( 181 ).
354 ) ( 12/499 ) في الجهاد، في الغزو مع أئمة الجور.
355 ) ( 2/153)، ورواه ابن أبي شيبة – أيضاً – بنحوه ( 12/449 ).



الفصل العاشر: مشروعية الدعاء لولاة الأمر بالصلاح

صلاة ولاة الأمر مطلب لكل مسلم غيور على دينه إذ صلاحهم صلاح للعباد والبلاد، كما قال أمير المؤمنين عمر بن الخطاب – رضي الله عنه -، عند موته :
(( أعلموا أن الناس لن يزالوا بخير ما استقامت لهم ولاتهم وهداتهم )).
وأخرجه البيهقي في (( السنن )) – كتاب قتال أهل البغي، باب فصل الإمام العادل (356) – بإسناد صحيح.
وفيها – أيضا – عن القاسم بن مخيمرة قال :
(( إنما زمانكم سلطانكم، فإذا صلح سلطانكم، صلح زمانكم، وإذا فسد سلطانكم، فسد زمانكم )).
وصلاح الولاة إلي الله – تعالي- وحده يهدي من يشاء إلي صراط مستقيم، فكان حقا على كل مؤمن بالله – تعالي – واليوم الآخر، أن يدعوا لهم بالهداية والتوفيق إلي طاعة الله – تعالي -، والسير في مرضاته، لأن نفع ذلك يعود على كل مؤمن بالخير في الدين والدنيا .
ذكر ابن المنير المالكي – رحمه الله – في (( الانتصاف )) (357)، أنه نقل عن بعض السلف أنه دعا لسلطان ظالم فقيل له : أتدعوا له وهو ظالم ؟
فقال : إي – والله -، أدعو له إن ما يدفع الله ببقائه أعظم مما يدفع بزواله. ا هـ.
وأخرج البيهقي في (( شعب الإيمان )) (358) عن أبي عثمان سعيد ابن إسماعيل الواعظ الزاهد أنه قال – بعد روايته لحديث تميم الداري – مرفوعاً - : (( الدين النصيحة ))، قال :
(( فانصح للسلطان، وأكثر له من الدعاء بالصلاح والرشاد بالقول والعمل والحكم، فإنهم إذا صلحوا، صلح العباد بصلاحهم. وإياك أن تدعوا عليهم بالعنة، فيزدادوا شراً ويزداد البلاء علي المسلمين ،ولكن أدعو لهم بالتوبة، فيتركوا الشر، فيرتفع البلاء عن المؤمنين ... )) ا هـ.
ولقد أعتني علماء المسلمين بهذه القضية – الدعاء لولاة الأمر – عناية واضحة وتجلت في صور ناصعة رائعة منها :
أولاً : إيداع الأمر بالدعاء لولاة الأمر في مختصرات العقائد السلفية التي يطالب المسلم باعتقاد ما فيها لكونه مبنياً على الحجج الشرعية من الكتاب والسنة وإجماع الأئمة، وسيأتي نماذج من ذلك إن شاء الله.
ثانياً : تخصيص بعض علماء الإسلام مؤلفاً في ذلك.
فقد ألف ( الإمام العلامة المفتي المحدث الرحال، بقية السلف، سيد المعمرين الأخيار علم السنة ) (359) يحيى بن منصور الحراني الحنبلي – المعروف بابن الحبشي – كتاباً سماه : (( دعائم الإسلام في وجوب الدعاء للإمام )).
وابن الحبيشي هذا له مناقب جمة، عدد بعضها ابن رجب في (( ذيل طبقات الحنابلة )) (360) فكان منها : قول الحق، وإنكار المنكر على من كان لم يكن عنده من المداهنة والمراءاة شيء أصلاً، يقول الحق ويصدع به. ا هـ.
وإنما ذكرت ذلك ليعلم أن علماء الإسلام والسنة يؤلفون في هذه الأمور بعيداً عن الأغراض الدنيئة الدنيوية، بل ألفوا في ذلك ديانة لله – تعالي – وخوفاً على الأمة من الاختلاف المؤدي إلي الهرج والمرج، وهو الخلاف على السلطان.
فلا تغتر بأولئك المنافقين، الذين ينهون عن التأليف – بل الحديث – في ذلك، ويرجفون بأن ذلك مداهنة ورياء بل هو دين وشرع.
ثالثاً : جعل بعض العلماء المحققين علامة من كان سنياً سلفياً : الدعاء لولاة الأمر ،وعكسه من كان مبتدعاً ضالاً، دعا على ولاة الأمر.
قال العلامة البر بهاري – رحمه الله تعالي – في (( شرح السنة )) (361) :
(( وإذا رأيت الرجل يدعوا على السلطان، فاعلم أنه صاحب هوى وإذا رأيت الرجل يدعو للسلطان بالصلاح، فاعلم أنه صاحب سنة – إن شاء الله - )) ا هـ
فأنت ترى هذا الاهتمام القوي من السلف بالدعاء لولاة الأمر واضحاً جلياً وهم في ذلك متبعون، سالمون من الهوى، مقدمون لنصوص الشريعة على حظوظ النفس وما تهوى.
وإليك – أيها الموفق – جملة مما جاء عن أهل السنة المرضيين في ذلك.
1- أخرج الخلال في (( السنة )) (362)، عن أبي مسلم الخولاني – رحمه الله – أنه قال عن الأمير :
(( إنه مؤمر عليك مثلك، فإن أهتدي فاحمد الله، وإن عمل بغي ذلك، فادع له بالهدى، ولا تخالفه فتضل ))
2- أخرج أبو نعيم في (( اللحية )) (363) حدثنا محمد بن إبراهيم : ثنا أبو يعلى الموصلي : ثنا عبد الصمد بن يزيد البغدادي – ولقبه مردويه -، قال : سمعت الفضل بن عياض يقول :
(( لو أن لي دعوة مستجابة، ما صيرتها إلا في إمام. ))
قيل : وكيف ذلك يا أبا على ؟
قال : متي صيرتها في نفسي لم تجزني، ومتي صيرتها في الإمام – يعني : عمت -، فصلاح الإمام صلاح العباد والبلاد ... فقبل ابن المبارك جبهته وقال :
يا معلم الخير ‍ من يحسن هذا غيرك ؟ ))
إسناده صحيح، محمد بن إبراهيم هو أبو بكر المشهور بابن المقرئ، الإمام، محدث أصبهان، الحافظ الثقة، راوي (( المسند الكبير )) عن أبي يعلي، صاحب سنة (364).
وعبد الصمد بن يزيد، هو عبد الله الصائغ المعروف بمردويه، خادم الفضيل بن عياض، قال ابن معين : لا بأس به، ليس ممن يكذب، وقال الحسين بن فهم : كان ثقة من أهل السنة والورع. ا هـ من (( تاريخ بغداد )) (365)
أخرج الخلال في (( السنة )) (366)، عن حنبل، أن الإمام أحمد قال عن الإمام :
3- (( وإني لأدعو له بالتسديد والتوفيق في الليل والنهار والتأييد، وأري ذالك واجباً على )) (367)
وأخرج أيضاً عن أبي بكر المروذي، قال :
(( سمعت أبا عبد الله، وذكر الخليفة المتوكل – رحمه الله تعالي – فقال : إني لأدعو له بالصلاح والعافية.
وقال : لئن حدث به حدث، لتنظرن ما يحل بالإسلام )).
4- وقال أبو عثمان الصابوني المتوفى سنة ( 449 هـ ) في (( عقيدة السلف أصحاب الحديث )) (368) :
(( ويرون الدعاء لهم بالإصلاح والتوفيق والصلاح، وبسط العدل في الرعية )) ا هـ.
5- وقال البر بهاري – أبو محمد الحسن بن على – المتوفى سنة ( 329 هـ ) في (( شرح السنة )) (369) :
(( فأمرهم أن ندعوا لهم بالصلاح، ولم نؤمر أن ندعو عليهم، وإن ظلموا وجاروا، لأن ظلمهم وجورهم على أنفسهم، وصلاحهم لأنفسهم وللمسلمين )) ا هـ.
6- وقال أبو بكر الإسماعيلي، المتوفى في سنة ( 371 هـ ) في (( اعتقاد أهل السنة )) (370)
(( ويرون الدعاء لهم بالصلاح والعطف إلي العدل )) ا هـ.
(( فحقيق على كل رعية أن ترغب إلي الله – تعالي – في إصلاح السلطان، وأن تبذل له نصه، وتحضه بصالح دعائها، فإن في صلاحه صلاح العباد والبلاد وفي فساده فساد البلاد والعباد )) (371)
7- أنشد ابن عبد البر في (( جامع بيان العلم )) (372) عن أحمد ابن عمر بن عبد الله، أنه أنشد لنفسه :
نسأل الله صلاحا للولاة الرؤســــــاء
فصلاح الدين والد نيا صلاح الأمـراء
فبهم يلتئم الشمل على بعد التنــــــاء
8- وقال الأجري المتوفى سنة ( 360 هـ ) في كتاب (( الشريعة )) (373)
(( وقد ذكرت من التحذير من مذاهب الخوارج ما فيه بلاغ لمن عصمه الله تعالي عن مذاهب الخوارج ولم ير رأيهم فصبر على جور الأئمة ... ودعا للولاة بالصلاح وحج معهم وجاهد معهم كل عدو للمسلمين فصلي خلفهم الجمعة والعيدين.
فمن كان هذا وصفه، كان على الصراط المستقيم – إن شاء الله – )) ا هـ.
فهذه جملة مختارة من نصوص السلف تكفي وتغني لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد.


356 ) ( 8/162 ).
357 ) (( الانتصاف فيما تضمنه الكشاف من الاعتزال )) ( 4/106 ).
358 ) ( 13/99 ).
359 ) بهذه الأوصاف وصفه الذهبي في (( معجم الشيوخ )) ( 2/377 ).
360 ) ( 2/297 ).
361 ) ( ص 113، 114 ).
362 ) ( 1/86 ).
363 ) ( 8/91 ). وأخرجه ابن عساكر من طريق أبي يعلي، عن عبد الصمد ( 48/445 ).
364 ) ينظر (( تذكرة الحفاظ )) ( 3/973/975 ).
365 ) ( 11/40 ).
366 ) ( 1/83 ).
367 ) ذكر شيخ الإسلام أن الفضل بن عياض، وأحمد بن حنبل وغيرهما كانوا يقولون : (( لو كان لنا دعوة مجابة لدعونا بها للسلطان )) (( الفتاوى )) ( 28/391 ).
368 ) ( ص 92 ،93 ).
369 ) ( ص 114 ).
370 ) ( ص 50 ).
371 ) سراج الملوك للطرطوشي ( ص 43 )
372 ) ( 1/184 ).
373 ) ( 1/371 ).


رسالة مهمة من رسائل العالم العلامة الشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ
- رحمه الله تعالى –

من محمد بن إبراهيم إلي حضرة المكرم الشيخ ........................ المحترم، سلمه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد :

بلغني أن موقفك من الإمارة ليس كما ينبغي، وتدري – بارك الله فيك –أن الإمارة ما قصد بها إلا نفع الرعية وليس شرطها أن لا يقع منها زلل، والعاقل بل وغير العاقل يعرف منافعها وخيرها الديني والدنيوي يربو على مفاسد بكثير.

ومثلك إنما منصبه منصب وعظ وإرشاد وإفتاء بين المتخاصمين ونصيحة الأمير والمأمور بالسر، وبنية خالصة، تعرف فيها النتيجة النافعة للإسلام والمسلمين.
ولا ينبغي أن تكون عثرة الأمير – أو العثرات – نصب عينيك والقاضية على فكرك والحاكمة على تصرفاتك، بل في السر قم بواجب النصيحة، وفي العلانية أظهر وصرح بما أوجب الله من حق الإمارة والسمع والطاعة لها، وأنها لم تأت لجباية أموال وظلم دماء وأعراض من المسلمين ولم تفعل ذلك أصلاً إلا أنها غير معصومة فقط.
فأنت كن وإياها أخوين أحدهما : مبين واعظ ناصح والآخر : باذل ما يجب عليه، كاف عن ما ليس له، إن أحسن دعا له بالخير ونشط عليه، وإن قصر عومل بما أسلفت لك.

ولا يظهر عليك عند الرعية – ولا سيما المتظلمين بالباطل – عتبك على الأمير وانتقادك إياه، لأن ذلك غير نافع الرعية بشيء، وغير ما تعبدت به، إنما تعبدت بما قدمت لك ونحوه وأن تكون جامع شمل لا مشتت، ومؤلف لا منفر.
واذكر وصية النبي ( لمعز وأبي موسي :
(( يسر ولا تعسر ،وبشر ولا تنفر، وتطاوعا ولا تختلفا ))
أو كما قال (.
وأنا لم أكتب لك هذا لغرض سوي النصيحة لك وللأمير ولكافة الجماعة ولإمام المسلمين.
والله ولي التوفيق

والسلام عليكم20/8/1375 (374)


374 ) (( فتاوى الشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ )) ( 12/182-183).







شذرات من درر السلف الصالحين مهداة إلي الولاة والسلاطين

1- أخرج ابن قتيبة في (( عيون الأخبار )) (375) بسنده عن كعب الأحبار، أنه قال :
(( مثل الإسلام والسلطان والناس مثل الفسطاط والعمود والأطناب والأوتاد فالفسطاط الإسلام، والعمود السلطان، والأطناب والأوتاد الناس، لا يصلح بعضه إلا ببعض ))
2- أخرج البيهقي في (( الشعب )) (376) عن إياس بن معاوية، أنه قال :
(( لا بد للناس من ثلاثة أشياء : لابد لهم من أن تأمن سبلهم ويختار محكمهم حتى يعدل الحكم فيهم، وأن تقام لهم الثغور التي بينهم وبين عدوهم، فإن هذه الأشياء إذا قام بها السلطان احتمل الناس ما سوى ذلك من أثرة السلطان وكل ما يكرهون ))
3- أخرج البيهقي في (( الشعب )) (377) – أيضاً – بسنده إلي أبي حازم أنه قال :
(( لا يزال هذا الدين عزيزاً منيعاً ما تقع هذه الأهواء في السلطان، لأنهم يؤدبون الناس، ويذبون عن الدين ويهابونهم – قال موسي بن هارون أحد رجال السند : يعني : الناس يهابون السلطان -، فإذا كانت فيهم، فمن يؤدبهم ؟ ))
4- قال الراغب الأصفهاني :
(( لا شيء أوجب على السلطان من رعاية أحوال المتصدين للرياسة بالعلم فمن الإخلال بها ينتشر الشر، ويكثر الأشرار، ويقع بين الناس التباغض والتنافر ...
قال :
ولما ترشح قوم للزعامة في العلم بغير استحقاق، وأحدثوا بجهلهم بدعاً استغفروا بها للعامة، واستجلبوا بها منفعة ورياسة، فوجدوا من العامة مساعدة، لمشاركتهم لهم، وقرب جوهرهم منهم، وفتحوا بذلك طرقاً مسندة ورفعوا به ستوراً مسبلة، وطلبوا منزلة الخاصة فوصلوا إليها بالوقاحة، وبما فيهم من الشره، فبدعوا العلماء وجهلوهم اغتصاباً لسلطانهم، ومنازعة لمكانهم، فأغروا بهم أتباعهم حتى وطئوهم بأظلافهم وأخفافهم فتولد بذلك البوار والجور العام والعار )) (378) ا هـ.


375 ) ( 1/2 ).
376 ) ( 13/187 )، وينظر : (( فضل السلطنة الشريفة )) للسيوطي : ( ص 34 ).
377 ) (( الجامع لشعب الإيمان )) : ( 123/129 ) وهو في (( السنن )) ( 8/163 ) لفظ (( لا يزال الناس بخير .. )
378 ) نقلاً عن فيض القدير شرح الجامع الصغير )) للعلامة المناوي : ( 2/274 ) ثم وجدته في كتاب الراغب : (( الذريعة إلي مكارم الشريعة )) ( ص 251 )، والتصحيح منه.


خاتمة الكتاب
هذا ختام كتاب (( معاملة الحكام في ضوء الكتاب والسنة ))، هو كما تري – أيها السني – مليء بأدلة الكتاب والسنة وآثار السلف وأقوال العلماء.
به يهتدي من كن محباً للحق، مقدماً له على كل شيء كما به يشرق من كان مريضا بداء الغل على أمة محمد ( يرقب تفككها ونشد تمزقها.
لقد كتبت في هذا الكتاب لله – عز وجل -، وإني لأرجوه في أفضل أعمالي، إذ به أذب عن أسوار الأمة أن تثلم، وعن أبنائها أن يتخطفهم شياطين الجن والإنس.
كتبت هذا الكتاب حماية للأمة من الفتن وصيانة للعقيدة أن تخدش.
لقيت نصباً في بحث مسائله، وتحرير فوائده، واقتناص أوابده حتى جاء جامعاً لما لم يجمع قبله في كتاب ( قل بفضل الله وبرحمته فليفرحوا هو خير مما يجمعون (.
فلما نشرته للناس أثني عليه أهل الفضل من العلماء وطلاب العلم، منهم من شافهني بذلك، كالشيخ العلامة محمد بن صالح العثيمين – رحمه الله تعالى – ومنهم من كتب عنه كالأديب الشيخ حمد الجاسر – رحمه الله تعالى -، حيث كتب مقالاً في (( جريدة الجزيرة )) (379) بعنوان (( معاملة الحكام في ضوء الكتاب والسنة ))
لقد تضمن الكتاب عقيدة الحق، عقيدة السلف فيه معاملة حكام المسلمين، بعيداً عن الغلو المذموم والتفريط المشئوم، فاشتمل على عشرة فصول، أراها لمت شتات الموضوع وهي بين يديك في فهرست الموضوعات بيد أن أهم ما جاء فيها أمور منها :
1- القواعد الست التي تتعلق بالإمامة، اجتهد في صياغة كل قاعدة صياغة علمية، تسهل للحفظ ،وتستغرق جميع ما وضعت له. .
وقد استدليت على كل قاعدة بما لا يدع مجالاً للتردد في قبولها، والعمل بها.
2- تحدثت عن إنكار المنكر مؤكداً هذا الواجب العظيم وأن القيام به فرض على الأمة، وإن تخلت عنه جميعها أثمت.
وأوضحت أن الإنكار باليد واللسان والقلب لك ل أحد من المسلمين ولكن التغيير بالسيف ليس لآحاد المسلمين وإنما هو للولاة
ثم تحدثت عن قضية مهمة بل في غاية الأهمية وهي أن الإنكار على ولاة الأمر إنما يكون سراً، وسقت الأحاديث النبوية والآثار السلفية وكلمات العلماء – قديماً وحديثاً – في تأييد ذلك والاحتجاج به.
وقد شغب بعضهم بهذه المسألة، انطلاقا من الهوى أو ضعف العلم أو كليهما.
وكل عجبي ممن يخالف في ذلك إذا كان الإنكار على ولاة الأمر، أما إذا كان الإنكار على غيرهم تلا قول الشافعي – رحمه الله تعالي - :
تعمدني بنصحك في انفرادي وجنبني النصيحة في الجماعـة
فإن النصح بين الناس نــــوع من التوبيخ لا أرضي استماعـه
وإن خالفتني وعصيت قولي فلا تجزع إذا لم تعط طاعــة (380)
ومن العجب أن أحدهم صحح إسناد حديث عياض بن غنم (( من أراد أن ينصح لذي سلطان فلا يبده علانية ... )) الحديث، وذلك في رسالة علمية منشورة له، فلما وقعت الفتنة ( أزمة الخليج ) جاءني من ينقل عنه أنه قال : إنه حديث ضعيف، فقلت للناقل : قد صححه هو في إحدى كتاباته، فقال : أين ؟ فأتيته بالكتاب فأطلعته عليه، فأخبرني فيما بعد أن ذلك عرض على هذا الرجل، فاضطرب ثم أعلن تراجعه عن تصحيح الحديث !!
وقد بينت أن الحديث صحيح – بحمد الله تعالى – كما سقت من أقوال العلماء في أن المشروع هو مناصحة ولاة الأمور سراً بما لا يدعوا مجالاً للتشكيك في صحة هذا المذهب السلفي وأوردت من الآثار في ذلك ما فيه الكفاية لمن أراد الهداية.
أما ما قد ينقل عن بعض السلف مخالفاً فلا عبرة به، لأنه معارض بأقوال وأفعال أكثر السلف.
ثم أن الحجة في قول رسول الله ( لا في قول أحد من الناس.
3- تحدثت عن قضية سب الأمراء والحكام بما يجعل اليقين : أن سبهم حرام منصوص على تحريمه، وبينت لم الشرع جاء بتحريم سبهم.
ومن أجمل الآثار التي وقفت عليها بعد أثر أنس بن مالك أثر عمر البكالي – الذي صححه الحافظ ابن حجر وغيره – ولفظه :
(( إذا كانت عليكم أمراء يأمرونكم بالصلاة والزكاة، حلت لكم الصلاة خلفهم وحرم عليكم سبهم )).
4- تحدثت عن الدعاء لولاة الأمر، ،وأوردت ما يدل على عناية السلف بهذا الجانب، وأن من أعيان السلف من ألف في ذلك.
وقد حاول بعض الباحثين الطعن في آثر الفضيل بن عياض – رحمه الله - :
(( لو أن لي دعوة مستجابة ما جعلتها إلا في السلطان )) ظاناً أنه بذلك يهدم هذا الجانب من عقيدة السلف، وما علم أن هذا الأثر وما جاء في معناه عن أئمة السلف ما هو إلا تأكيد لصحة فهم نصوص الشرع التي استنبط منها هذا الحكم وهو نوعان :
الأول : الأدلة العامة على فضل الدعاء للمؤمنين والمؤمنات وهي كثيرة في الصحاح والسنن والمسانيد، ومن ذلك ما رواه الطبراني – وجود إسناده الهيثمي في (( المجمع )) (381) - عن عبادة ابن الصامت – رضي الله عنه – أن النبي ( قال :
(( من استغفر للمؤمنين والمؤمنات كتب الله له بكل مؤمن ومؤمنة حسنة )).
الثاني : الأدلة الخاصة في بيان مكانة الولاة، وقد ذكرت طرفاً منها في فصل مستقل من هذا الكتاب، ومنها حديث معاذ بن جبل رضي الله عنه – قال : قال رسول (:
(( خمس من فعل واحدة منهن كان ضامناً على الله عز وجل - : .... أو دخل على إمامه يريد تعزيزه وتوقيره )) .
فمن هذا مكانه في نصوص الشرع ،ومن هذا موضعه الخطير، أفلا يعان بالدعاء الذي يقدر عليه كل المسلمين ؟ إذا كانت إعانته بالدخول عليه لإظهار توقيره وتعزيزه لتقوي هيبته ويمضي أمره ويهاب من الأعداء، فالدعاء له من باب أولي وهذا مقتضي مقاصد الشرع، وقد فهم الإمام أحمد ذلك، فذهب إلي أن الدعاء لولي الأمر – باستمرار – واجب عليه بالشرع، فقال :
(( إني لأدعو الله للخليفة بالتسديد والتأييد والتوفيق في الليل والنهار وارى له ذلك واجباً على )).
وقد أنقدح في ذهني أمر، هو : أن الذين يعنون بالدعاء للولاة ويهتمون به : هم أزهد الناس فيما عند الولاة من الدنيا ،ومن كان متذمما من الدعاء للولاة كارهاً لذلك، مشككاً في مشروعيته : فهم أطمع الناس فيما عند الولاة من الدنيا بل ما فعلوا ذلك – والله أعلم – إلا لأجل التسخط على أمور الدنيا ،وهم يوهمون الناس أنهم إنما يقعون في الولاة ويظهرون كراهتهم من أجل أمور الدين.
اللهم اعصمنا من الفتن ما ظهر منها وما بطن، اللهم أصلح ولاة أمر المسلمين واحفظهم وبارك لهم وعليهم، اللهم أبعد عنهم بطانة السوء، واجعل خاصة بطانتهم أهل العلم الصادقين.
وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين





379 ) العدد ( 9245 )، بتاريخ 22/9/1418 ه ـ.
380 ) (( ديوان الشافعي )) ( ص 116 ) ط دار البشائر بدمشق.
381 ) ( 10/210 ).